كتب محمد الحجام وهو مشارك في الدورة السابعة من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لشبكة الصحفيين الدوليين:
من الصعب إعطاء سنة محددة لانطلاق المنصات الرقمية في المغرب نظرًا لتعدد هذه المنصات واختلاف دورها، لكن يمكن القول إن بداية الألفية شهدت انطلاق مجموعة من المواقع ذات البعد الإخباري. كلها كانت بالفرنسية، وكانت غالبًا على شكل مواقع رقمية لصحف مطبوعة كصحيفة ليكونومسيت تنشر فيها نسخا من أخبارها (لا يمكن وصفه بـصحافة رقمية).
ويرى إسماعيل عزام - صحفي مغربي مهتم بالإعلام الجديد أنّ موقع Menara كان أول موقع يطبق أساسيات الصحافة الرقمية، وتحديدًا منذ استحواذ اتصالات المغرب عام 2000 على شركة كازا نيت التي أسسته، ثم انطلاق النسخة العربية من الموقع عام 2002.
ويضيف: "لا يمكن الحديث عن بداية الصحافة الرقمية بالمغرب من دون الحديث عن المدونات التي بدأت في البلد نهاية التسعينيات واستمرت بقوة إلى غاية 2012. كذلك المواقع الجهوية، بدأت بالظهور منذ عام 2005، وهي السنة التي شهدت انطلاق مواقع رقمية تحاول تأسيس لمرحلة الصحافة الرقمية المغربية، وهو أمر لم يظهر بجدية إلا عام 2011 مع حركة 20 فبراير، عندما لعبت الصحافة الرقمية أدوارًا كبيرة في الإخبار، وباتت المنصة الأولى لتتبع أخبار الحراك، ومنذ ذلك الحين تسارع نمو الصحافة الرقمية بالمغرب وباتت اليوم متفوقة بسنوات ضوئية على الصحافة المطبوعة في عدد المتابعين بالمغرب".
شرارة بداية المنصات الإعلامية الرقمية بالمغرب
بسبب القفزة النوعية التي حققها المغرب في المجال الرقمي، وتزايد عدد مستخدمي الانترنت عرفت المنصات الإعلامية الرقمية طفرة نوعية، لاسيما وأنّ تكنولوجيا الاتصال مع ما حملته الثورة الرقمية من إمكانات هائلة.
أخذت المنصات الإعلامية الرقمية في السنوات الاخيرة أهمية كبيرة على الصعيد الاقتصادي والمجتمعي وباتت تؤثر أكثر في المجتمع بشتى مكوناته، حيث تبين في آخر الإحصاءات (كانون الثاني 2019) أنّ 22 مليون مغربي منخرطون في الشبكة العنكبوتية وأن %86 منهم ينشطون كل يوم على صفحات الإنترنت.
هذا الإقبال على الشبكة العنكبوتية فتح السوق الإعلامية الرقمية في المغرب على مصرعيه حيث ازداد عدد المواقع الالكترونية من 262 موقعاً سنة 2015، إلى 892 في نيسان 2019، بحسب معطيات وزارة الاتصال المغربية. حيث تبين للمقاولين أن سوق الإعلام الرقمي يمثل فرصاً جديدة للاستثمار بعيداً عن الإعلام التقليدي، وتبقى المنصات الرقمية المستقلة أكثر تحرراً من الناحية الاقتصادية من نظيرتها التقليدية.
وفي هذا السياق، سعت الدولة المغربية لمواكبة التطور التكنولوجي لبناء مشهد إعلامي يتسم بالتعددية الكمية والنوعية، عبر سياسة التحرير التي نهجتها الدولة مند سنة 2006. لكن هذه التعددية يمكن أن تطرح علامات إستفهام حول جودة المحتوى المقدم للجمهور المغربي.
على رغم التزايد المستمر لعدد المؤسسات الإعلامية الرقمية في المغرب، التي تصل الى 892 بحسب آخر إحصائيات وزارة الاتصال، فإن القليل منها من استطاع العمل ضمن نظام مؤسساتي منظم، بالإضافة لغياب التأطير الكافي وتخبط مجموعة من المنصات الرقمية لخلق نموذج اقتصادي يكفل ديمومتها.
وصرح إسماعيل عزام: "هناك الكثير من الأمور المفقودة في هذه المنصات، ودعني أركز على المنصات الإخبارية. هناك مشكلة رئيسية، سببها عدم وجود تقاليد صحفية قوية بالمغرب، إذ لم نعش فترة الصحافة المستقلة إلّا مع منتصف التسعينيات، وهو حيز زمني غير كافي لتطوير المهنة". وأضاف: "هناك مشكلة التكوين الصحفي ومشكلة النموذج الاقتصادي وغياب كتلة قوية من القراء. أضيفت هذه المشاكل لمشاكل أخرى خاصة بالصحافة الرقمية، أولها غياب شبه كلي للابتكار واستخدام أساليب تقنية تجاوزتها الصحافة الغربية، خاصة ما يتعلق بالسرد البصري والتفاعلية وصحافة البيانات، فضلا عن غياب مشاريع صحفية غير تقليدية. ويعيش المغرب حاليا كسادا صحفيا حقيقيا ليس بسبب قلة عدد المتابعين الذين باتوا يشكلون سوقا ضخمة حاليا، لكن بسبب تراجع القيمة الصحفية وغلبة المواد السطحية والبحث عن الإثارة والهوس بالكليك والأرقام، مع تطور واضح لما يعرف بـ"صحافة التشهير" الذي أساءت كثيرا للموروث القليل للصحافة المغربية".
لكن هنالك بعض التجارب الإعلامية المميزة من حيث محتواها وخطها التحريري.
- هسبريس
هسبريس هي جريدة إلكترونية مغربية مستقلة تأسست سنة 2007، وهو موقع إخباري واستقصائي مستقل وتفاعلي يضطلع بتقديم تجربة إعلامية فريدة تضع في صلب اهتمامها معالجة القضايا التي تهم المواطنين بشكل مستقل ومهني.
ويصرح ياسين الزاوي - منتج بقناة الحرة: "عموما لا توجد الكثير من التجارب الإعلامية الرقمية التي تقدم محتوى جادًا وله مصداقية، ولكن يبقى موقع هسبريس من المواقع الرائدة في المغرب حيث يتحقق المهنية والمصداقية بحكم الكفاءات العاملة به، وهنالك بعض التجارب الأخرى لكنها فرنكوفونية كـ le Desk الذي يعتبر منبر مهني ذي مصداقية ومبتكر".
- جوج ميديا
تعتبر منصة جوج ميديا من التجارب المتميزة من حيث محتواها المبتكر القريب من الشباب المغربي في قالب جديد بعيداً عن اللغة العربية والفرنسية المعهودة في الويب حيث إختار مؤسسوه إلى إبتكار محتوى باللغة العامية المغربية.
ويعتبر سر نجاح المنصة هو الاستخدام الذكي لوسائل التواصل الاجتماعي التي قد تصل في بعض الأحيان لعدد أكبر من المتابعين في ظرف وجيز للغاية.
- Welovebuzz
في سنة 2010 أسس شاب مغربي في سن السابعة عشر فقط اسمه إدريس السلاوي منصة Welovebuzz التي تعتمد بشكل أساسي على خلق محتوى مبتكر بعيد كل البعد عما هو متداول في الصحافة الرقمية المغربية المعهودة، فكما يوحي إسم المنصة يسعى الموقع لنشر فيديوهات وأخبار تثير ضجة في أوساط العامة والتي تسمى بـ Content Viral.
وبالنظر لطبيعة المواضيع التي يتناولها فقد تمكن من الوصول الى شريحة كبرى من جيل الألفية الثالثة، ما بين 18 و25 سنة، وبات يستقطب مليوني متابع كل شهر.
ويرى حمزة الترباوي وهو صحافي مغربي مهتم بـصحافة الحلول أن هناك بعض المبادرات تستحق الذكر كموقع كوفيد ماروك الذي يقدم بيانات فورية لكورونا، موقع ميديا24 يقدم محتوى تحليليا عميقا بدل الاخبار المتسرعة، موقع تحرير كان يقدم تقارير مطولة تهتم بالحلول، موقع المحترف لامين رغيب تعلمنا منه للكثير، وهو الوحيد في هذه القائمة الذي يحظى بجماهيرية كبيرة.
ويضيف أنّ "المنصات الإعلامية الرقمية المغربية تخاف من التجربة، تتغير خوارزميات الإنترنت وأجهزة التكنولوجيا، وتظهر معها وتختفي اشكال من طريقة عرض المحتوى. لكن في المغرب نحن جامدون نتطور ببطء شديد، حارمين انفسنا من المزيد من المشاهدات والقراءات والمال والتأثير".
خلاصة
على رغم تنوع عدد المؤسسات الإعلامية الرقمية إلا أن قلة قليلة منها استطاعت أن تجد لها مكانا في المشهد الإعلامي الوطني، بحيث تحتاج أغلبية المؤسسات قطع أشواط طويلة لتجاوز معضلة تدني جودة المحتوى الإعلامي والذي يرتبط بالأساس في التكوين وقدرات الصحفيين الرقميين، وعدم وجود معايير واضحة للمهنة في هذا الحقل.
المصادر:
استراتيجية المغرب الرقمية 2020، موقع اليونيسكو http://bit.ly/2NmoaHj
إحصائيات موقع StarUp.ma | http://bit.ly/3qDAtNO
إحصائيات استخدام الإنترنت في المغرب لسنة 2019 | http://bit.ly/39WfL59
تقرير وزارة الثقافة والاتصال قطاع الاتصال سنة 2018
الصورة الرئيسية من تصميم محمد الحجام