تبدو الصحافة الاستقصائية اليوم في لبنان غائبة عن الممارسة الاعلامية، وذلك لغياب المحاسبة، كما يعتبر صحفيون لبنانيون ان هذا النوع أصبح موضة انتشرت بين الصحافيين رغم بعض الانجازات التي كشفت حقائق مهمة لصالح الرأي العام.
وباتت التحقيقات الاستقصائية التي تهتم بالمواضيع المثيرة للجدل والفضائح تسيطر على حساب التحقيقات التي تركز على كشف الفساد بطريقة مهنية في لبنان، كما بقيت الصحافة الاستقصائية ذات طابع شخصي ومغامرات فردية إما أن تنجح أو لا.
يؤكد صحفيون أن حاجة المجتمع اللبناني الماسّة الى صحافة استقصائية قوية تساعد الدولة في محاربة الفساد، إلا أن التركيبة الطائفية والسياسية للبلاد تشكل عائقاً أمام الصحافيين وتمنعهم من الغوص في ملفات تحسب على فريق معين.
الصحفية اللبنانية والمدربة في الصحافة الاستقصائية بيسان الشيخ وفي مقابلة مع شبكة الصحفيين الدوليين أكدت أنّ "الصحافة الاستقصائية ليست غائبة ابداً عن العمل الإعلامي في لبنان حتى وإن كانت تمارس بشكل تلقائي و"عفوي" ومن خلال أدوات وشروط مختلفة عما هي عليه اليوم". وتضيف الشيخ أن "الكشف عن الحقائق للرأي العام يحتاج نضالاً حقيقياً ودعماً محلياً ودولياً، أما في حال عدم وجود محاسبة للمتورطين فهذا عطل في النظام السياسي والقضائي وليس في الأداء المهني الإعلامي بحد ذاته الذي يحتمل ايضاً الكثير من الأخطاء بالطبع".
ورغم أن التحقيقات التي تهتم بالمواضيع المثيرة للجدل والفضائح في لبنان مسيطرة على حساب كشف الفساد بطريقة مهنية، ترى الشيخ أن "السمة الفضائحية لربما هي الغالبة على العمل الجاد وتغطي أحيانا عليه، إضافة إلى أن الاعلام الجديد الذي يبحث عن عدد قراءات ونقرات ونشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ساهم في انتشار هذه السمة، وهناك ايضاً تصفية الحسابات السياسية عن طريق وسائل الإعلام ما يساهم ايضاً في هذه الظاهرة، لكن رغم ذلك لا تزال المادة الإعلامية الجيدة قادرة على فرض نفسها الى حد بعيد ولها بالطبع قراءها وجمهورها".
ويرجع عدد من الصحفيين في لبنان غياب تقاليد الممارسة الاعلامية، وذلك لغياب المحاسبة للمسؤول بشكل عام، إضافة لكون الصحافي محسوبا على طرف من الأطراف السياسية ما يجعل الصحافة اللبنانية ليست حرة بالمعنى الفعلي.
بالرغم من تلك العوائق فليس أمام الصحفيين في لبنان إلا سلوك نهج للوصول إلى صحافة استقصائية حقيقية ومعمقة بعيداً عن التحيز ويمكن من خلالها محاسبة المتسببين الذين يقومون بارتكاب الانتهاكات والمخالفات ومتابعة ملفات الفساد والانتهاكات للمصلحة العامة من خلال:
التعمق والبحث المستمر لأشهر وجمع المعلومات بشكل دقيق وعدم نشرها إلا في الوقت المناسب.
- تقديم مواد تعالج القضايا العامة ودعمها من قبل وسائل الإعلام.
- ضرورة وضع قوانين تحمي الصحفيين وتوفر حق الوصول الى المعلومة، اضافة الى تسهيل عمل الصحافي الاستقصائي، وتوفير الحماية لهم.
- تفعيل دور المجتمع المدني في القيام بدورات تدريبية وتبادل الخبرات مع الدول التي تعطي حيز ودور كبير للصحافة الاستقصائية.
- عدم تدخل النفوذ السياسي والاقتصادي في الصحافة الاستقصائية من خلال سن قوانين وتشريعات لمعاقبة المتدخلين.
في مصر تميز الصحفيين بالاهتمام بالصحافة الاستقصائية كجزء من وتيرة عملهم اليومي، ما دفعهم لنشر العديد من التحقيقات الهامة، التي فاز العديد منها في هذا المجال ببعض الجوائز، كما ترشح عدد آخر منها لهذه الجوائز.
ورغم اهتمام الصحفيين المصريين بالصحافة الاستقصائية إلا أنه يلاحظ أن التركيز دائما كان على القضايا الصحية والبيئية وهي أكثر القضايا التي سلطت الصحافة الاستقصائية الضوء عليها، إلى جانب تناول محدود جداً للفساد السياسي.
يرى بعض الصحفيين المصريين أن تراجع الاهتمام بالتحقيقات السياسية يعود إلى عزوف الجمهور بوجه عام عن القضايا السياسية، والتركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، إضافة للقبضة الأمنية في البلاد.
من جانبه، أكّد الصحفي الاستقصائي علي السطوحي في مقابلة مع شبكة الصحفيين الدوليين أنّ "الصحافة اليوم لا تعبر عن الواقع الفعلي للبلد، نافياً أن يكون الجمهور لا يريد سماع أو قراءة الموضوعات ذات البعد السياسي وإنما هناك اتفاقاً ضمنيا ومعلناً إذا لزم الأمر يجبر الصحفيين في مصر عن البعد عن مثل هذه الموضوعات التي تزعج النظام، حتي لا تحجب الجريدة أو تغلق أو يطرد رئيس التحرير".
ويضيف السطوحي: "هل مسموح أن يكتب صحفي كلمة عن الاختفاء القسري؟ عن القتل خارج إطار القانون؟ عن التهجير والنزوح؟ وعن الاعتقالات العشوائية؟ عن آلاف الأبرياء داخل السجن؟"، مؤكدًا أنّ "الصحفيين المصريين يواجهون صعوبات عدة من جمهور متحفز متشكك في نوايا الصحفيين طوال الوقت، ونقابة الصحفيين التي لا تمنح الحماية إلا للصحفيين النقابيين، أما باقي الصحفيين وهم كثر فليس لهم إلا المحاولة، لا ضمانات ولا حماية ولا أي شيء، سوى محاولة قد تفلح وقد تخيب. وعندما تخيب سيكون المصير السجن أو التشويه، ولن يقف إلي جوارك أحد. إضافة إلى السيطرة الشاملة للمؤسسات الأمنية على المؤسسات الإعلامية".
ويرى عدد من الصحفيين أن غياب المعلومات وحجب الوثائق هي مشكلة شائعة في مصر خاصة مع عدم وجود قواعد بيانات صحيحة، وأرقام دقيقة بالمؤسسات المختلفة، من أجل خدمة الموضوع الصحفي؛ وهو ما يفرض عبئًا ثقيلًا على الصحفي عند البحث، ومحاولة الاقتراب من الأرقام أو المعلومات الدقيقة والسليمة بسبب الهاجس الحكومي المتستر بغياب الشفافية، وتغييب المعلومات.
ويؤكد عدد من الصحفيين الاستقصائين المصريين أن صحافة الاستقصاء تعاني الكثير من المشاكل في مصر فهي تحتاج إلي قدر كبير من التفرغ، والجهد للبحث والوصول للحقيقة وهو ما لا يحتل أولوية لدى الصحفي في مصر الذي يريد إنجاز أكبر عدد من الأعمال الصحفية في أقل وقت ممكن، وبأقل جهد، وأقل كلفة مادية لأنه يحتاج لدخل مناسب حتى تستمر حياته، بالإضافة إلى صعوبة الوصول لمعلومات مؤكدة.
وبحسب خبراء في الصحافة الاستقصائية، فإن الصحافة الاستقصائية تحتاج لمؤسسة صحفية تمنح مجموعة من الصحفيين حق التفرغ وفي المقابل توفر لهم كل الإمكانيات من أجل الوصول لحقائق ومعلومات وبجانب الوقت والمال تحتاج الصحافة الاستقصائية إلى مناخ شبه كامل من الحرية والديمقراطية الحقيقية في الحصول على المعلومات، ويطالب عدد من الصحفيين المصريين بوضع مجموعة من الحلول لمعالجة مشاكل الصحافة الاستقصائية في مصر ومن أبرزها:
- تأهيل كوادر صحفية في مجال الاستقصاء والتحليل والبحث.
- وجود تشريع خاص يؤكد حق الصحفي في الحصول على المعلومات والوثائق.
- وجود ضمانات مهنية كافية لحماية الصحفي الاستقصائي في حال مساءلته أو اتهامه.
-تقديم الدعم المادي الكافي للصحفي للعمل على تحقيقات استقصائية.
-زيادة وعي الجمهور بهذا النوع من التحقيقات الاستقصائية في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والشائعات.
-إقرار تشريعات صحفية ملائمة لممارسة العمل الاستقصائي وخاصة في الحصول على المعلومات من الجهات والمؤسسات بما يخدم التحقيقات الاستقصائية التي ينفذّونها والتي تهدف في مجملها إلى الكشف عن التجاوزات والمخالفات وصولًا إلى الإصلاح والتغيير نحو الأفضل في مختلف قطاعات المجتمع.
الصورة للصحفي المصري علي السطوحي خلال عمله على تحقيق استقصائي في مصر