الصحافة الإستقصائية في السياق اللبناني.. إعادة تصويب الحقيقة

بواسطة رأفت ناصر
Feb 26, 2021 في الصحافة الاستقصائية
صورة

لا تزال الصحافة الإستقصائية في لبنان مستندة إلى جهود فرديّة يبذلها صحفيون مستقلّون يعملون مع مؤسسات إعلاميّة مختلفة. إذ أنّ العمل الإستقصائي يحتاج مساحةً من الإستقلاليّة والحماية للصحفيين ومصادرهم، وهو أمر بعيد عن معظم المشهد الإعلامي اللبناني.

وقد خلصت مبادرة Media Ownership Monitor  إلى أنّ 43% من وسائل الإعلام التي شملتها في دراسة أعدّتها في لبنان، تضمّ عضوًا واحدًا على الأقل من 12 عائلة مشاركة في ملكية وسائل الإعلام اللبنانية.

وفي هذا السياق، نظّم معهد عصام في فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت جلسة حوارية حول أهمية دور الصحافة الإستقصائية ووسائل الإعلام المستقلة في السياق اللبناني الحالي، لا سيما في أعقاب التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس ودمّر جزءًا كبيرًا من العاصمة اللبنانيّة بيروت. وعُقدت هذه الجلسة بمناسبة اختتام دورة تدريبية نظمها المعهد بالتعاون مع منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (OECD)، وموقع درج ميديا.

وقد أدارت جلسة النقاش الشريكة المؤسسة لموقع درج ديانا مقلد، ومديرة التواصل في مركز عصام فارس، سوزان حصري، وافتتح الجلسة مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور جوزيف باحوط  وشارك بالنقاش كل من: المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية، رولا مخايل، رئيسة ومؤسسة "مهاراتمنير الخطيب رئيس تحرير شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) وشارلوت دينيز آدم ممثلة (OECD).

الصحافة الإستقصائية لتصويب الحقيقة

واستهلّ الدكتور باحوط حديثه بالتشديد على أنّ "الكشف عن الحقيقة يعدّ جزءًا أساسيًا من أي موضوع يتعلق بالسياسات العامة وبالحوكمة الصحيحة ولإعادة بث الحيوية والعافية للحياة العامة ككل وتُصبح هذه المسألة بمثابة رسالة مدنية أو رسالة وطنية". ورأى باحوط أنّ "الصحافة الإستقصائية تسمح بإعادة تصويب الحقيقة وتتناول المعلومات الحقيقية والوقائع وتؤدّي للوصول إلى الدلائل الحسية وغير القابلة للشك من قبل الرأي العام وبالتالي تُساهم بالتوعية المواطنية على الصعيد القومي الوطني والدولي العام".

من جانبها، أوضحت الصحفية ديانا مقلّد أنّ "لبنان بحاجة إلى صحافة جدّية، لأنّ التصاق الإعلام بالتمويل السياسي يؤثّر سلبًا على كيفية تغطيته لقضايا الناس"، مضيفةً: "يجب أن نتكلم بصوت الناس ونطالب بحقوقهم".

بدوره، لفت صاغية إلى أنّ "الأمر الذي تغيّر بعد ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر هو أنّ الأفكار التي كانت مهمّشة أصبحت وسط الحوار وباتَ الصراع الحقيقي بين المجتمع والنظام الذي هيمن على هذا المجتمع وأفقره وفجره، وهنا يكمن دور الصحافة الإستقصائية والقضاء المستقل"، لافتًا إلى أنّ "التكامل بين الإعلام والقضاء ضروري حيث أنه كلما شعر القاضي أنّ الصحفي يعطيه مادة ويدعمه فهو يتشجع، وكثير من التحقيقات القضائية في موضوع الفساد مؤخرًا بدأت بتحقيقات صحفية"، كما أشار إلى أن "الفكرة الأساسية لدى المفكرة القانوينة التي يديرها هي أنّ حقوق الناس هي التي يجب أن تكون محور الخطاب العام".

أما رولا مخايل، فتطرّقت في حديثها إلى موضوع مشروع القانون الذي تقدمت به مهارات منذ 11 عامًا لتأمين المزيد من الحماية للعمل الصحفي وتوسيع مفهوم نقد الشخص العام. وأشارت إلى القلق لديها من أن يتم إقرار القانون في نسخته الحالية "والذي لم يكن هناك شفافية بمشاركته مع مهارات، حيث لم نستطع معرفة كيف أصبح شكل النسخة النهائية وكم من الحماية يمكن تأمينها للصحفيين". وأضافت مخايل: "لولا وجود المنصات المستقلة التي تنقل الأحداث والتي بدأت التحدث بلغة مختلفة غير تلك التي نسمعها في وسائل الإعلام ما كنا لنعرف ماذا يحدث"، وقالت:"في الماضي عايشنا قيام بعض الصحفيين بصحافة استقصائية لكنهم لم يؤسسوا لها في داخل المؤسسة ولم ينقلوها لنا نحن الذين كنا نتابع عملهم، لذلك حرصت أن نؤسس لشيء ما و أن ننقله للغير، فنقل الخبرة للصحفيين الشباب أساسي جدًا". ولفتت مخايل إلى أنّ "موضوع إصلاح الإعلام يهم كل صحفي وكل مواطن".

أريج.. والشبكة العربية لتدقيق المعلومات

من جانبه، أشار رئيس تحرير "أريج" منير الخطيب إلى "وجود مشاكل بنيوية في الصحافة وعدم وجود حق بالوصول للمعلومات، وهي أمور حاولت أريج إيجاد حلّ شامل لها، حيث تقدّم الشبكة كلّ الدعم الممكن للصحفي، والذي يكون بشكل دعمٍ تقني عبر ورش تدريب، إذ نفذت أريج خلال العام 2020 أكثر من 25 ورشة تدريب و17 ويبينار شارك فيها تقريبا 450 صحفيًا، على الرغم من تفشي الجائحة والمصاعب". إضافةً إلى الدعم التقني، أوضح الخطيب أنّ الشبكة توفّر دعمًا حقوقيًا وقانونيًا، ودعمًأ بالمعلومات ودعمًا نفسيًا، لافتًا إلى أنّ "أريج تعمل على الحماية الشخصية، حماية الملفات، الحماية الجسدية وحماية المعلومات".

ولفت الخطيب إلى اكتشاف مشكلة جديدة وهي أنه "ليس لدينا صحفيين علميين حقيقيين"، وردًا على سؤال، نصح الخطيب الصحفيين بالإهتمام بالصحافة البيئية لأن هناك نقصًا أيضًا بالصحفيين المهتمين بهذا المجال.

وقال الخطيب: "نحاول أن ننشئ صحافة أكثر تخصصًا وسنركز على هذه الورش، ونحاول أن نعمل أكثر على تدقيق المعلومات، وحاليًا نعمل على إنشاء الشبكة العربية لتدقيق المعلومات وسنكون شركاء فيها مع كل المؤسسات الإعلامية المستقلة، لأن الأنظمة لا تعطينا معلومات". وتابع:"سنعمل أيضًا على مسألة السرد، لإيجاد طريقة سرد جديدة وسننفذ دورات لتعزيز المهارات الكتابية من أجل إيصال فكرة التحقيق أو فكرة كشف الفساد مباشرة وبشكل أوضح وأدق"، متابعًا أنّ "أريج تدعم التحقيق إنتاجًا ومواكبة وتدريبًا وتدعم بمركز المعلومات الذي لديها والمرتبط بمراكز أبحاث حول العالم، تضمّ بيانات الجرائد الرسمية في غالبية الدول العربية وفيها معلومات عن كل الشركات في العالم، وعن المصارف، فهذا كله موضوع بتصرف الصحفيين مجانا ونحن نعلمهم كيف يبحثون فيها وكيف يحصلون على المعلومات منها، حتى تكون التحقيقات أكثر موضوعية ونزاهة وحيادية، ولا يكون فيها أي خلل قانوني".

ماذا عن تمويل الإعلام؟

فيما يتعلّق بموضوع التمويل، أشار صاغية إلى أنه "يجب أن يكون هناك حد أدنى من التمويل ونعمل لأن يكون هذا التمويل مستقلًا ومن دون شروط".

أما مخايل فأشارت إلى أنّ "مؤسستها تعمل ضمن سقف القانون وبكثير من الشفافية ومعروف من أين هو تمويلنا وما هو خطابنا". ولفتت إلى أنّ "الإعلان التجاري مهم للتمويل، وشفافية المؤسسات الإعلامية مهمة أيضا وموضوع الإعلانات وعلاقتها بقطاع الإعلام بحاجة لإعادة نظر وبحاجة لشفافية".

وفي نهاية الجلسة تحدثت شارلوت دينيز آدم ممثلة منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (OECD) حيث توجهت بالشكر للمشاركين على جهودهم في دعم الصحافة الإستقصائية والصحفيين الإستقصائيين والجهود الشابّة في لبنان.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة إيتيان بولانجيه