قبل عدّة سنوات، كان من الطبيعي الجلوس أمام التلفاز ساعاتٍ عدّة كي يستطيع المشاهد الوصول إلى أخبار العالم، سواء السياسيّة أو الفنيّة أو غيرها، ولربما ذلك كان طبيعيًا بسبب عدم وجود وسائل أخرى أو كون التلفاز كان الأسهل حينها، كما المذياع من قبله، ولكن دخول الانترنت أحدث ثورةً في الأدوات الرقميّة التي يتم الاعتماد عليها لإيصال الأخبار، ومع وجود الأدوات اللازمة أصبح مجال المنافسة على طرق الاستخدام.
وفي ظل وجود آلاف الوسائل المنتشرة على الانترنت عموماً أو على شبكات التواصل الاجتماعي بشكلٍ خاص والناطقة بمئات اللغات، والتي تتناسب أعدادها طرداً مع النهم البشري، إذ أن معظم جمهور وسائل التواصل الاجتماعي يُفضّل الحصول على القليل من كل شيء بدل الحصول على كل شيء من ذات المصدر، وهذا ما أتاح مجال المنافسة بين الشبكات الإخباريّة لتحاول خلق أسلوب جذبٍ للجماهير أو تطوّر أساليبها القديمة لتكون محافظةً على جمهورها على أقل تقدير.
ومن الوسائل الإخباريّة التي ذاع صيتها هي خدمة الجزيرة بلس "AJ+" الرقميّة التابعة لشبكة الجزيرة الإعلامية، والتي وصل عدد المشاهدات المسجّلة في أول عامٍ لانطلاق هذه الخدمة الى ما يقارب المليار مشاهدة على منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى التطبيق الخاص بالخدمة واستطاعت حجز حيّزٍ لا يُستهان به من وقت مشاهدة الجمهور العالمي وبشكلٍ خاص العربي.
تقدم خدمة الجزيرة بلس الرقميّة مقاطع مصوّرة قصيرة تتطرق إلى الأخبار السياسيّة والمنوعة حول العالم، بالإضافة إلى برامج قصيرة شبيهة بالتي يقوم فيها صانعو المحتوى على موقع يوتيوب، وتعتمد لإيصال محتواها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب بالإضافة إلى التطبيق المتاح على نظامَي تشغيل IOS و Android والذي يتيح خياراتٍ خاصة فيه تجعل منه مجتمعاً منفصلاً عن منصات التواصل الاجتماعي كما يتيح مجالاً لفتح النقاشات و التصويت أحياناً وخيارات أخرى لاستكشاف الأحداث.
وفي محاولتنا للاستفسار أكثر عن آلية العمل قمنا بلقاءٍ مع قسمٍ من فريق الجزيرة بلس ودار بيننا الحوار الآتي:
1- كيف نشأت فكرة مقاطع الفيديو القصيرة؟
نشأت فكرة مقاطع الفيديو القصيرة من طبيعة الاستخدام المختلف الذي فرضه خليط وسائل التواصل الاجتماعي مع الأجهزة الذكية، هذا الاستخدام غيّر من سلوك مستخدمي الخدمات الإخبارية والترفيهية الإعلامية على حد سواء خصوصاً على الشاشات الصغيرة. فكرة تصفح الشاشات الصغيرة تقوم على المسح Scrolling (بالذات فايسبوك وتويتر) وهذا النوع من الاستخدام يضع صناع المحتوى أمام تحدي إبقاء المتابعين مهتمين بمشاهدة المحتوى وسط منشورات الأصدقاء والإعلانات وغيرها من الإزدحام الموجود في الفضاء الإلكتروني لكل منصة. مقاطع الفيديو القصيرة تلك تحاول أن تتكيف مع حقيقة المنصات والأجهزة من خلال توفير المحتوى بشكل ملائم لكل منصة.
2- هل هناك خوارزميّة مُتّبعة من قبلكم لمواكبة سياسة النشر على فايسبوك (تقييد النشر من دون ترويج، تقييد وصول منشورات الصفحات إلى الحسابات الشخصيّة وغيرها)؟
سياسات النشر على فايسبوك - وغيره من المنصات - متغيرة باستمرار وبالطبع تؤثر على الوصول للمتابعين وعلى حجم انتشار المحتوى، لكن لدينا فريق مختص بمتابعة هذه التغيرات لنقوم بالتأقلم معها. لكن نوع المحتوى أيضاً يؤثر في سياسات النشر، علينا أن نقدم توازناً جغرافياً لجمهورنا الواسع، ويجب أن نوفر معادلة متوازنة لنوعية موضوعات مختلفة لتغطية المجالات الشاسعة التي يهتم بها الجمهور، أيضاً علينا خلال كل ذلك المحافظة على مبادئنا التحريرية ومسؤوليتنا تجاه الجمهور من خلال تقديم محتوى نثق في صحته ومصادره وفائدته.
3- ما هو سر الانتشار السريع للمقاطع المصورّة القصيرة ومواكبتها الأحداث؟
نحن مررنا بمراحل مختلفة فيما يتعلق بقوالب الإنتاج، وانتشار الفيديو يتوقف بشكل أساسي على نوع المحتوى وعلى توقيت نشره. الرائج أو الـtrend يتم صنعه من خلال تلك العناصر بالإضافة إلى سلوك الجمهور تجاهه وهو أمر ليس متوقعاً في كل الأوقات. الجمهور يختلف باختلاف المنصات جمهور فايسبوك مثلاً (وهذه محاولة للتبسيط وليس حكماً قاطعاً على الجمهور كله) يهتم أكثر بسرعة تقديم المحتوى وليس بمن يقدمه، تويتر يهتم بالسرعة ونوعية الكاتب وخلفيته تؤثر في الانتشار والمصداقية، يوتيوب يهتم بعلاقة صاحب المحتوى بمتابعيه والولاء المتبادل من خلال الاستمرارية والتناسق في المحتوى ومواعيد النشر والشكل. لكن الأكيد أن القوالب الجاهزة ليست هي العامل الذي يصنع الرواج، بل إن الجمهور يحب أن يرى خصوصية في شكل المحتوى واستمرارية في تناسق هذه الخصوصية.
4- هل ترون في انتشار هذا الأسلوب - ونسخه حرفياً أحياناً - لدى العديد من الشبكات على مواقع التواصل هو سرقة للفكرة الأساسيّة، أم أنه يُضفي طابع المنافسة؟
شخصياً لا أحب أن أسميها سرقة، هل القنوات الإخبارية سارقة لأول قناة إخبارية؟ هل البرامج الحوارية سارقة لأول برنامج حواري؟ هل الجرائد سارقة لأول جريدة؟ هل كل المطبوعات سارقة لفكرة الطباعة؟!
الحقيقة أن هذا هو الوعاء والقرن الحادي والعشرين عوّدنا أن الأوعية ستتحول عاجلاً أو آجلاً إلى مشاع، وستبقى القيمة فيما داخل الوعاء. لكن المحزن في بعض الأحيان هو نقل المحتوى داخل نفس الوعاء من دون إضافة أي جهد شخصي، هذا أسميه تحايل وقلة موهبة وانعدام قدرة.
ما يسمى سرقة من وجهة نظري هو نسخ المقاطع كما هي وإعادة رفعها على حسابات أخرى من أجل التأثير وجلب الإعجابات والتفاعل.. ولهذه الحالات قوانين على منصات التواصل الاجتماعي تحمي صاحب المحتوى من مثل هذه المحاولات.
5- كيف يتم اختيار الموضوعات؟
الموضوعات تتغير باستمرار، واختيارها يقوم في الأساس على أمرين: نوعية الجمهور، والقيم التي يتبناها صاحب المحتوى. نوعية الجمهور سنجيب عنها في سؤال منفصل، أما عن القيم التي يتبناها صاحب المحتوى فهي بعض المبادئ التي يراها صناع المحتوى أكثر إفادة لنوعية الجمهور، وكل صناع المحتوى لا يخفون هذه القيم أو المبادئ أو يجعلونها سرية، وهي ليست أجندات مخفية بل تُفضح هذه القيم إما بشكل مباشر من خلال التصريح عنها أو بشكل غير مباشر من خلال نوعية المحتوى المنشور. متى ينجح أصحاب المحتوى؟ حين يكونوا على اتساق مع أنفسهم بشأن هذه القيم وألا يكونوا بمعايير مزدوجة حيال هذه المبادئ.
6- كيف يتم اختيار الجمهور المستهدف؟
اختيار الجمهور المستهدف يعتمد على اختيار صناع المحتوى لدائرة تأثيرهم، هذا يشمل اختيارات جغرافية سيتوقف عليها اختيار الموضوعات واللهجة المستخدمة والثقافة المعبرة، ويشمل اختيارات عمرية، واختيارات مواضيع اهتمام. الموضوع أشبه بتوقع شخصيات المتابعين وصنع نماذج لها ومع كل اختيار الموضوعات يتم التفكير، هل هذا الموضوع يهم أحد هذه الشخصيات من جمهورنا؟ من هو/ هي؟ كيف سنتوجه له/ا بالحديث؟ وهكذا..