التغيرات المناخية والصحافة الاستقصائية

Feb 20, 2024 في تغطية قضايا البيئة
صورة

تماشيًا مع الأوضاع الراهنة التي يمرّ بها العالم من تغيرات مناخية أثرت بشكل مباشر على مظاهر الحياة العامة، اتجهت وسائل إعلاميّة إلى الاهتمام بالقضايا البيئية وإنتاج المواد الصحفية ذات الصلة، كما نفذت المنظمات غير الحكومية تدريبات للصحفيين/ات بهدف تمكينهم في مجال الصحافة البيئية، مثل منظمة إنترنيوز، وبدأت بعض الجامعات بتسليط الضوء على الصحافة البيئية في المناهج الخاصة بكليات الإعلام.

 في هذا السياق، عملَ الدكتور علاء نجاح نوري، الذي يُدرّس في كلية الإعلام التابعة للجامعة العراقية على إدخال المفردات البيئية في مناهج الصحافة الاستقصائية لطلبة الدراسات العليا. 

وفي حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين، يقول إنّ الكثير من المناهج الدراسية في حالة تغيّر مستمر وبعض المناهج أضيفت وأخرى تمّ إلغاؤها حسب الحاجة وحسب كل تطور علمي، مثل إدخال مادة التربية الإعلامية والرقمية للمنهج وقبلها الصحافة الاستقصائية والإعلام الجديد وتكنولوجيا المعلومات وصحافة الموبايل وكذلك فتح أقسام جديدة مثل الإعلام الرقمي في بعض الكليات.

وأضاف نوري أنّ قضايا البيئة والتغير المناخي ليست ببعيدة عن التوجهات السابقة، فقد أثّرت بشكل مباشر من خلال العواصف الترابية ونقص المياه في دجلة والفرات وتراجع الزراعة وتناقص الثروة الحيوانية والتلوث والأوبئة والأمراض وغيرها، لذلك أصبحت الحاجة ملحة وضرورية لإدخال الصحافة البيئية وموضوعاتها كمفردات أولية ضمن المواد الإعلامية بشكل مبدئي وصولًا  إلى تأليف منهج متكامل وتصور عن الأمور الضرورية التي من الممكن أن يستفيد منها طلبة كليات الإعلام وأقسامها في العراق ليصبحوا قادرين على التصدي لمختلف القضايا البيئية والبحث فيها.

إنّ الهدف من هذه التجربة هو إدماج الصحافة البيئية والصحافة الاستقصائية للوصول إلى الحقائق المعمقة المتعلقة بقضايا المناخ والبيئة، خصوصًا أنّ مهمة الصحافة الاستقصائية تكمن بالبحث في قضايا الفساد ويمكن اعتمادها كمنطلق للبحث في القضايا البيئية التي تستوجب الاستقصاء.

 وينوي نوري من خلال المادة التي يقوم بتدريسها لطلبة المرحلة النهائية في كلية الإعلام أن يُعرّف بمفردات البيئة والتغيرات المناخية لغرض تعليم الطلبة أسس وآليات إنتاج الإعلانات التنموية والإرشادية المتعلقة بقضايا البيئة وتغير المناخ.

فيما يرى سليمان صالح مهدي وهو أحد طلبة الدراسات العليا في الجامعة العراقية أنّ إدخال مفردات البيئة والتغيرات المناخية ضمن المناهج التي يدرسونها فكرة جديدة من شأنها أن تقدم حلولًا قد تساعد الجهات المختصة على توفير بيئة صحية مناسبة عن طريق البحوث العلمية التي يمكن إعدادها.

وتتفق معه داليا علي جواد، وهي طالبة في قسم الصحافة الإذاعية والتلفزيونية وترى أن قضية التغير المناخي من القضايا المهمة التي يجب أن تأخذ حجمها الحقيقي في وسائل الإعلام، وينبغي على كليات الإعلام والمعاهد إدخال الإعلام البيئي كمنهاج يُدرس فيها لتعريف صحفيي المستقبل بالدور الذي يؤديه هذا النوع من الإعلام في نشر الوعي بين الأفراد داخل المجتمعات للمحافظة على البيئة والتصدي للظواهر، مثل التغير المناخي وكوارث طبيعية مثل الاحتباس الحراري.

خطوة بحاجة لخطوات داعمة  

من جهته، يرى الصحفي المتخصص في القضايا البيئية والمناخية خالد سليمان أنّ تأسيس صحافة بيئية مهنية علمية مفيدة يعدّ خطوة مهمة، مذكرًا بأنّ الصحافة الاستقصائية لا تحتاج فقط إلى مفاهيم ومصطلحات بيئية وإنما عوامل داعمة وملائمة للتقصي لأنها لا تتعلق فقط بالجانب العلمي وإنما يجب اتخاذ سبل أخرى مثل تحليل المعلومات والأدلة والتحقق من الوثائق وإدخالها مختبرات تدقيق المعلومات، كما لا يمكن تطوير الصحافة الاستقصائية بدون توفر حرية العمل الصحفي، ولهذا فإنّ انتهاج هذه الخطوة ضروري، فقد كانت كليات الإعلام تعتمد الأسس النظرية المنهجية وطالما كانت هناك حاجة إلى أسس وتجارب عملية لأنّ العمل الصحفي يستوجب دمج العمل الميداني إلى جانب النظري وإغراقه بالمصطلحات والمفاهيم لتطوير صحافة بيئية مهنية. 

تصحيح المفاهيم والمصطلحات

يؤكد سليمان وجود خلط في المفاهيم والمصطلحات والمفردات حول المناخ المستخدمة على مستوى العالم، لذلك فإنّ تصحيحها يعد الخطوة الأهم، حيث ما زال الخلط موجودًا بين الطقس والمناخ والبيئة وتأثير النشاط البشري على البيئة والتدهور البيئي وبين ما هو مناخي وبيئي، ويضرب لنا مثلًا وجود ممارسات ضارة في العراق مثل الصيد الجائر وتلويث المياه والإفراط في استخدام الطاقة والموارد الطبيعية، بينما يقول البعض إنّ هذا تغير مناخي، في حين تعتبر تلك الظواهر تدهورًا بيئيًا نتيجة نشاط مفرط للبشر، فيما يشمل التغير المناخي ظاهرة كوكبية عالمية مثل ارتفاع درجات الحرارة، فهي تعود لأسباب طبيعية يمكن تقليل خسائرها ولا يمكن منعها لأنها ناجمة عن تغير مناخي. وشدّد على ضرورة التمييز بين ما هو مناخي وما هو مرتبط بالطقس وبين البيئة والمناخ، ويجب التعرف على مصطلحات أخرى دخلت مجال الصحافة البيئية مثل الغسل الأخضر.

ولفت إلى أهمية إدخال المفاهيم البيئية في المناهج التعليمية، حيث يمكن أن تسهم هذه العملية في الحد من الظواهر الجائرة وتكشف عن التقصير في ملفات البيئة وتكافح الفساد في هذا الملف، لكن قبل ذلك لابد من توفر بنية تحتية لتطوير مواد المناهج التعليمية.

فقر المصادر العربية

ويشير سليمان إلى مشكلة نقص المصادر المتعلقة بالبيئة والمناخ باللغة العربية، قائلًا: "يوجد الكثير من المصادر المهمة باللغة الإنجليزية بالمقارنة بالمصادر المتوفرة باللغة العربية"، ويوصي بضرورة إقحام العلوم المناخية في المناهج التعليمية وتدريب الكوادر التعليمية المختصة في المجال البيئي، وإعداد كوادر تعليمية متخصصة مشيرًا إلى أهمية الاطلاع على قاموس مصطلحات التغيرات المناخية الذي جمعه ونقحه الدكتور سمير طنطاوي، استشاري التغيرات المناخية في الأمم المتحدة وهو عضو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (‎(IPCC، ويوجد أيضا قاموس حول مصطلحات المناخ" دليل يومي لتغير المناخ يحتوي على معلومات مهمة.

الاستقصاء المناخي "ضرورة"

يعتقد الصحفي الاستقصائي د.محمد الزيدي أنّ إدخال هذا النوع من المفردات إلى مناهج تدريس الصحافة الاستقصائية ستسهم في إبراز دور التغطية الصحفية الاستقصائية للقضايا البيئية وتعزز دورها في نشر الوعي البيئي لدى الشباب الجامعي، كما أنها ستنمّي قابليتهم في تعلم المعارف البيئية واتجاهاتهم نحو النهوض بالبيئة، والسلوك البيئي الإيجابي، لا سيما مع قلة وجود التحقيقات الاستقصائية وغياب المقال الافتتاحي في المؤسسات الصحفية المحلية، مؤكدًا أنّ الواقع العراقي يضمّ ملفات ساخنة متعلقة بالبيئة واستجلاء تلك الملفات وتسليط الضوء عليها من مسؤولية الصحفيين مثل ملفات المياه الصالحة للشرب من عدمها، تلوث الهواء وملفات الجفاف الذي يضرب بأطنابه في الأحواض والمستنقعات وشح المياه وارتفاع نسب الملوحة وغيرها من المواضيع ذات الصلة.

صلاحيات تحديث المناهج 

من جهته، قال عضو المجلس الوطني لاعتماد برامج كليات الإعلام في العراق وعضو لجنة المناهج الوزارية في وزارة التعليم العالي الدكتور سعد ابراهيم: "إنّ المناهج الدراسية في كليات الاعلام العراقية "مركزية" ولكن توجد مساحة لأساتذة الجامعات في مختلف الاختصاصات العلمية والإنسانية كي يعدلوا أو يضيفوا للمناهج بنسبة عشرين بالمئة من مجموعة المفردات الدراسية للمنهج وفقًا للتطورات والمتغيرات التي يشهدها التخصص ميدانيًا أو أكاديميًا، وهذه النسبة جيدة في تقديري لمواكبة التطورات الحاصلة في التخصصات العلمية وتسمح للمدرس بتحديث المعلومات وإيصالها إلى الطالب وبالتالي فمن حق كل أستاذ جامعي تضمين مادته للقضايا والمسائل ذات العلاقة والتي يرى أنّ المفردات الدراسية لا تتضمنها وفق النسبة المئوية المحددة وهذا يشمل الدراسات الاولية والعليا.

الصورة الرئيسة حاصلة على رخصة الاستخدام بواسطة ديفيد كوربيت.