التضليل في أخبار السخرية و"الميمز"

Apr 13, 2022 في مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة
صورة

أخبار السخرية والتهكم هي أخبارٌ غير مؤذية ولا تسبب الإهانة، تستخدم المعلومات غير الواقعية لصنع الدعابة، كما تقوم بتسخيف القضايا وتسليط الضوء عليها من خلال اختلاق قصص إخبارية لاذعة تمامًا. وحسب مرصد فيرست درافت فإنّ هذا النوع من الأخبار لا يحمل نية التسبب في الضرر، إلا أنّه يضلّل الرأي العام.

يسمى هذا النوع من الأخبار بأخبار السخرية أو التهكم (Satire News). قد لا يفهم جميع المتلقين النغمة المضحكة في المقال الساخر، يستقبلون المعلومات الواردة فيه كأنها حقيقة، لذا صنّفتها المراصد العالمية للتحقق من الأخبار على أنها نوع من أنواع التضليل كونها تضلّل الرأي العام، كما أشارت منظمة اليونسكو في دليل "الصحافة والأخبار الزائفة والتضليل" إلى أنّ الناس، وبسبب تعرضهم للكثير من المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قـد يتولد لديهم الارتباك عند قراءة مثل هذه الأخبار، فلا يُميزون بين ما هو ساخر وما هو جاد.

في هذا الإطار، يمثّل موقع شبكة الحدود النموذج العربي في أخبار السخرية والكوميديا، كما يعد الموقع الإخباري الأميركي (The onion) وموقع (Newsbiscuit) البريطاني وموقع (Le Gorafi) الفرنسي أمثلة بلغات أخرى على هذا النوع من الأخبار المزيفة، إذ تنشر هذه المواقع مقالات ساخرة عن الأخبار الدولية والمحلية.

عدد من الباحثين في جامعة نانيانغ التكنولوجية بماليزيا، أجروا دراسة عام 2017 عن أنواع وتصنيفات الأخبار الزائفة بعنوان "تعريف الأخبار الزائفة: تصنيف من التعريفات العلمية" - (Defining “Fake News”: A typology of scholarly definitions)، ووجدوا أنّ "أخبار السخرية هي النوع الأكثر تواجداً في الدراسات التي بحثت في الأخبار الزائفة على مدى 14 عامًا بين عامي 2003  و2017".

أما النوع الثاني، فـهو المحاكاة الساخرة (Parody)؛ أي الـتـقـلـيد لعمل أصلي، ويعتمد على الفكاهة كوسيلة لجذب الجمهور. مثل البرامج التلفزيونية الساخرة، وأشهرها البرنامج الأميركي الإخباري الساخر "The Daily Show with Trevor Noah"، وبرنامج "جــو شــو" باللغة العربية الذي يُعرض على قناة التلفزيون العربي، والبرنامج الأردني "تشويش واضح" الذي يُعرض على قناة رؤيـا.

تعتبر بعض هذه الأعمال شكلًا آخر من التضليل، بسبب الشكل (Format) الذي تُقــدّم به إلى الجمهور، فهي تتخذ "شكْلَ" النشرات الإخبارية الحقيقية بالإضافة إلى صور ورسومات تظهر إلى جانب المتحدث الرئيسي الذي يُقــدِم الفكاهة، عدا عن تقديمها تقارير مزيفة غـريـبة أحيانًا يرافقها صوت ضَحِك مزيف لجمهورٍ في الاستديو.

ووجد الباحثون (Andrew kohut  وRichard Morin وScott Keeter) في دراسة بعنوان "ما يعرفه الأميركيون: 1989-2007، المعرفة العامة بالشؤون الحالية تغيّـرت قليلًا من خلال ثورات الأخبار والمعلومات" - " What Americans Know: 1989-2007, Public Knowledge of Current Affairs Little Changed by News and Information" أنّ "الأفراد الذين يشاهدون البرامج السياسية الساخرة هم على درايةٍ بالشؤون الحالية تمامًا مثل الأفراد الذين يستخدمون وسائل إخبارية أخرى".

الــمــيــم (Meme)

الــمــيــم وجمعها الــمــيــمز (Memes) وهي كلمة دخيلة من اللغة الإنجليزية، مشتقة من الكلمة اليونانية (mimema) وتعني "التقليد"، تلفَـظ كما هي باللغة العربية. من أمثلتها؛ الألحان وأزياء الملابس والأفكار والعبارات المشهورة، تنتشر عن طريق القفز من دماغ إلى دماغ عبر عملية تُسمّى - بمعناها الواسع - التقليد. وفي العالم الرقمي، تصِف الــمــيــم أي "صورة أو مقطع فيديو أو جزء من نص، يضاف إليه تعديل بسيط ليحمل روح الدعابة، وتتم مشاركته من مستخدم لآخر على شبكة الانترنت وبسرعة كبيرة.

تعتبر كلمة (!LOL) مثلًا التي تستخدم في التعليق على نكتة مــيــم، كما أن العبارة المضحكة التي تُكتب على صورةٍ لِــقِــطــة صغيرة، أو الفيديو الذي يتضمن تعديل صوتٍ لشخصية مشهورة ليحمل صوتًــا ساخرًا من أشكال الميــــم.

عالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكينز، عــــرَّف الميمز عام 1976 في كتابه "الجــيــن الأناني" - "Selfish Gene" بأنها تشبه الجينات الموجودة في أجسام الكائنات الحية، لأنها تتكرر (تتكاثر) وتنتشر بسرعة حاملة المعلومات الخاصة بها، وقد تكون هذه المعلومات إمــا فــكرة أو ســلــوك أو عبــارة معينة. يعتبرها بعض العلماء كالفيروسات تصيب العقل وتستقر فيه، وهدفها الرئيسي هو تكرار نفسها لتصل إلى عقول أشخاص آخرين ليس لديهم القدرة على تحليل ما تحملها من معلومات أو التحكم بفهمهم لها بالشكل الصحيح. 

لذا قــد تكون الميمز ضارة وتتسبب بنوع من التضليل للمتلقي؛ كما حدث في الكثير من الميمز التي انتشرت خلال جائحة "كوفيد 19" وحملت معلومات زائفة عن الفيروس واللقاح تم تغييرها عمدًا من قبل منشئيها.

كانت المــيمز من أكثر أشكال التضليل التي برزت خلال جائحة كورونا إن كانت صورة أو فيديو، تميّزت بسهولة صياغتها، وسرعة وسهولة انتشارها لأعداد كبيرة من الناس عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي وكان مصدرها الجمهور العادي، كما أنها استمدت محتواها في كثير من الأحيان من ثقافة كل بلد على حدا، فأثرت وبشكل ملحوظ على موقف المتلقي أو رأيه بالفيروس واللقاح تأثيرًا سلبيًا. حملت هذه الميمز معلومات عن الفيروس أو اللقاح والكثير منها حمل أخبار سخرية مختلقة أو محرفّة أحيانا لأخبار رسمية صحيحة.

والتضليل الذي تسببه هذه الميمز يكمن أيضًا في الصفة التي تميز محتواها، فالأخبار والمعلومات التي تنشرها الميمز على أنها للتسلية والتهكم قد لا تشكل ظاهريًا خطرًا على رأي المتلقي إلا أن انتشارها وتبادلها بكثرة عبر مختلف تطبيقات التواصل الاجتماعي تؤثر على المعرفة التراكمية للمتلقي وتتسبب في تضليله تجاه حقائق أساسية. يمكن الإطلاع على هذا الرابط لفيديو ميم عن لقاح كورونا.

صورة

تطبيق (Meme Generator) مثلًا، من أشهر التطبيقات التي تستخدم لإنتاج المــيمز المضحكة من قبل الجمهور العادي، بلغ عدد مستخدميه حتى أكثر من 10 مليون مستخدم حول العالم. سهل الاستخدام، ولا يحتاج استخدامه أشخاصًا متخصصين في التكنولوجيا، ومتاح لأجهزة الأندرويد والآيفون معـًا، ويوفر أكثر من 1000 قالبا بالإضافة إلى المؤثرات المضحكة. 

أساليب التضليل في البيئة الرقمية عديدة والبحث فيها ليس سهلًا، وتعدّت هذه الأساليب تضليل المحتوى والمصادر إلى التضليل في شكل المحتوى المنشور والفـاعلين، سواء عن قصد أو غير قصد. وتعتبر مسألة معرفة أنواع وأشكال التضليل في هذا العصر الرقمي ضرورة ملحة للصحفي أولًا وللجمهور العادي ثانيًا، لأنّ هذه المعرفة تُشكل أحد أهم خطوط الدفاع في التصدي للتضليل ومكافحته.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة بيليندا فيوينغز. الصورة الثانية نُشرت بعد الحصول على إذن.