الإعلام في العراق.. بين مطرقة المال وسندان النفوذ السلطوي

Mar 11, 2021 في موضوعات متخصصة
صورة

يوصف الاعلام بأنه "سلاح ذو حدين" وذلك لتأثيره الكبير على المجتمع ودوره الفعال في خلق الرأي العام إضافة الى أنّه وسيلة تعليمية وتثقيفية يبث من خلال محتواه رسائل تؤثر على المجتمع بشكل مباشر.

لقد أصبح الاعلام القوة المؤثرة في رأي الشعب وسلطة صلبة تفوق السلطات الحكومية، فهو المحرك القادر على قلب أنظمة الحكم حتى لو لم يكن متسلحاً بامتيازات السلطة. ولخطورة وسائل الاعلام فقد أصبحت محط أطماع اصحاب المال السياسي والنفوذ وهذا ما حصل في بعض الدول خاصة  تلك التي توصف بأنها غير "مستقرة" حيث الفوضى وضعف تطبيق القانون.

يتناول في هذا المقال من شبكة الصحفيين الدوليين دولة "العراق" كأنموذج يوضح أثر المال والنفوذ على وسائل الاعلام وإساءة استخدامها، ويؤسفني كصحفية أن اقول إنّ المال السياسي نجح بتجنيد بعض من وسائل الاعلام المؤثرة ومنها "مواقع التواصل الاجتماعي" لتنفيذ اجندته، الامر الذي اثر سلبا على ثوابت واخلاقيات وسائل الاعلام باعتبارها سلطة رابعة "رقابة وكشف واعلام"، لتصبح وسيلة لتضليل الرأي العام وأداة من أدوات الفاسدين وسأوضح ذلك من خلال نقاط رئيسية شخصها أكاديميون ومختصون في الشأن الصحفي والاعلامي.

أثر المال على استقلالية الصحافة والاعلام

يرى الصحفي والاكاديمي د. مسلم عباس أنه لا يمكن لأحد أن يمول مشروعاً إعلامياً من دون أن تكون له أهداف محددة، بعضها نبيلة وأخرى لأغراض سياسية وربما شخصية ضيقة، أما النموذج الثاني أي النموذج السياسي وهو السائد في العراق فالمعلومات والحقائق لا تنشر مجردة، بل تنشر لتحقيق أهداف سياسية تخدم ممول المؤسسة الإعلامية "لا إعلام في سبيل الله".

إن الأخطر في هذا التوظيف السياسي للمعلومات والحقائق غالباً ما تُحرف عن مسارها أو يتم استقطاع أجزاء منها ليتم تضليل الجمهور، فانحرفت الصحافة ووسائل الإعلام عن أخلاقياتها وباتت أسيرة لجهات متنفذة حتى اصبحت وكأنها أجنحة سياسية للأحزاب والتيارات المهيمنة في العراق، واستخدمت بكثرة في حروب إعلامية تشتعل الصراع بين فترة وأخرى.

أما الصحفي والمختص في الاعلام الرقمي لدى جامعة ذي قار د.سعد ابراهيم فهو لا يتفق مع استقلالية وسائل الاعلام لجهة انتاج محتوى مهني وحيادي بسبب تأثيرات الخط السياسي لرأس المال ويلاحظ ذلك من خلال المواسم الانتخابية او من خلال معالجة الملفات الاخبارية التي تهم الرأي العام وبالتالي فالإعلام في العراق لا يبتعد كثيرا عن الخط السياسي لمرجعياته وهذه مسألة طبيعية يمكن ان نجدها في معظم الدول الديمقراطية.

واشار الى ان الظروف الضاغطة لم تمنع من ظهور جيل جديد من الصحفيين الشباب المحترفين فضلاً عن النضج المهني الذي بدأ يتضح في مخرجات عدد من المؤسسات الاعلامية.

أثر الاعلام على أوضاع المرأة

تعتقد ارادة الجبوري وهي تعمل كأستاذة في كلية الاعلام بجامعة بغداد أنّه لا توجد في العراق صناعة اعلامية رغم وجود مشاريع اعلامية صغيرة لكنها بسيطة تحاول ممارسة دورها، وبعيدا عن الاعلام الحكومي او الرسمي يوجد ما يسمى بالإعلام الاهلي والذي يعود الى تجار ومستثمرين وقد يكونوا "واجهات" لتحقيق اهداف معينة بغض النظر عن نوعها، وقد يعود الى الاحزاب المهيمنة على السلطة في العراق وهي معروفة بمسمياتها القومية والمذهبية ولكن معظمها دينية وقومية وأغلبها تستثمر في مجال الدين والمذهب ولديها مقرات وقنوات وصحف واذاعات ومواقع الكترونية و"جيوش الكترونية".

وتضيف: "مهما كانت الاحزاب الدينية بكل اسمائها المختلفة وتوجهاتها  سواء كانت معتدلة او متطرفة، فهي تتناول قضايا المرأة وفق منظور الحزب الديني وبما أن التيارات الدينية (المتشددة) هي المسيطرة الآن على الساحة وتفرض نفسها بصفة "حامية الدين والمذهب"، فإنها تضع المرأة ضمن سياقها المعروف من خلال ما تنتجه من محتوى وتصورات وافكار عن النساء حيث تصادر الحقوق وتكرس الابوية والافكار التي تتناقض مع جوهر الانسانية والديانات وهي تروج للتطرف وخطابات الكراهية التي تستهدف النساء. 

تيار مضاد لحقوق المرأة

تعمل المؤسسات الاعلامية التي اسستها الاحزاب وتكونت بناءً على افكار مذهبية أو طائفية تحاول استغلال تأثير الاعلام على المجتمع لفرض الافكار والتوجهات التي تريدها تلك الجهات اذ يعمل بعضها كتيار مضاد لقضايا حقوق المرأة من خلال ما تنتجه من مواد إعلامية واعلانية تكرس وتساهم في التمييز والعنف على أساس النوع الاجتماعي مما يشجع مضاعفة العنف والتمييز ضد النساء في المجتمع، ومثل هذه الامور ظهرت كثيرًا خاصة فيما يتعلق بتشريع قانون او الاستعداد لإطلاق اجراءات معينة تحمي حقوق المرأة مثل مسودة قانون الحماية من العنف الاسري وغيرها، كما تقول الصحفية والباحثة في مجال حقوق المرأة فريال الكعبي.

وهناك بعض المؤسسات الاعلامية اصبحت اداة تطبيل وتشهير استهدفت النساء الصحفيات والناشطات في مجال حقوق المرأة  وحرضت ضدهن بشكل واضح وصريح مما شكل خطورة فعلية على حياتهن.

أثر الاعلام على المظاهرات

الكاتب والصحفي سامان نوح يرى أنّ الطرح غير الموضوعي لوسائل الاعلام يشتد ويبلغ ذروته خلال فترة التوترات والصراع والازمات ويظهر بشكل واضح عبر الاخبار والتقارير ومقالات الرأي ومنشورات منصات التواصل، مثلاً في فترة المظاهرات كان الترويج بالضد واضح فمعظم وسائل الاعلام قامت بالتحشيد ضد النشطاء والصحفيين والاقلام التي تكتب بموضوعية من خلال تلفيق  الاتهامات المختلفة ووصفهم بأوصاف غير حقيقية مثل "اولاد السفارات والعملاء و الايادي الخارجية وغيرها". وأدى ذلك التحريض الى اغتيالات وعمليات خطف وعنف، كل تلك التهم اثرت على تغطيات وسائل الاعلام حيث كانت تقوم بالترويج السياسي لأفكارها السياسية ومصالحها الحزبية السلطوية على حساب حياة الاخرين.

ويصف نوح الاداء الأعلامي بـ"السيئ جدًا" خلال فترة المظاهرات والى الآن على اعتبار أن هذه الفترة "تسبق الانتخابات" ويشوبها الترويج السياسي حيث الاستخدام السيئ لوسائل الاعلام بهدف طرح اهداف سياسية بعيدا عن الموضوعية والتوزان وما الى ذلك من الاسس الاعلامية الثابتة.

دور الاعلام في بث التحريض والكراهية

عندما بدأت حركة الاحتجاجات الشعبية، نشطت وسائل الإعلام الحزبية والمدعومة من قوى غير وطنية لتشويه حركة الاحتجاجات التي انطلقت في تشرين الاول/أكتوبر عام  2019 من خلال تغطية الأحداث بشكل مجتزأ والترويج لرواية تعرض البلاد لمؤامرة خارجية، من دون تقديم أدلة أو قرائن مقنعة عن ضلوع أطراف خارجية في تفجير الشارع المحتقن، لا سيما في ظل تجاهل عواصم القرار الإقليمي والدولي لأخبار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحقوق السياسية والقانونية للمتظاهرين، وتغطية الإعلام العالمي الخجولة لمجريات الأزمة بشكل أعطى الانطباع بوجود إرادة دولية في الحفاظ على الوضع القائم في العراق، كما جاء في حديث مسؤولة العلاقات في البيت العراقي للإعلام منار عز الدين.

ومن أمثلة ذلك بحسب عز الدين:

التظاهرات العراقية.. جهوية التغطية الاعلامية فيسبوك يقوم بالمهمة، فيسبوك وتويتر يتفوقان على وسائل الاعلام في تغطية التظاهرات العراقية، عشرات الصحفيين يفرّون من بغداد ومحافظات الجنوب خوفا من تهديدات مجهولة.

انتهاكات ارتكبها الاعلام

على مدى السنوات الست الماضية، رصد بيت الإعلام العراقي بوصفه جهة مراقبة لوسائل الإعلام المحلية تقارير كثيرة ركزت على الدور الكبير الذي مارسه المال السياسي في توجيه وسائل الإعلام المحلية نحو وجهات تحقق غايات ومأرب الجهات الممولة، وكان ترويج الخطاب الطائفي من ابرز ما نجحت به العديد من الفضائيات من خلال استضافة شخصيات طائفية سياسية اضافة إلى بث اخبار مجتزأة ومنحازة تجاه قضايا محددة على حساب أخرى وطنية عامة.

وتشير عز الدين الى أنّ فترة سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من العراق كانت "فرصة ذهبية" للترويج لخطاب الطائفية واتهام أبناء المحافظات الغربية بأنهم حاضنة للتنظيمات الإرهابية، وقد وثق بيت الاعلام العراقي من خلال تقرير فرسان الكراهية بجزئيه الأول والثاني رصدا لنحو (955) حلقة لبرامج حوارية مختلفة في (15) محطة فضائية محلية تبث من العراق وخارجه شهدت حوارات وتصريحات لـ(694) ضيفا توزعوا ما بين سياسيين وأعضاء في مجلس النواب والحكومة.

ولم يخفَ الدور النشط  لوسائل الإعلام الموجهة نحو الحرب الواضحة تجاه الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان من خلال ترسيخ خطاب الكراهية نحو المكون الكردي من دون تغطية مهنية للإحداث وتم رصده بعنوان "استفتاء كردستان". لقد اصبح خطاب الكراهية ينافس التغطية المهنية، كما أنتج بيت الإعلام العراقي قاموس الكراهية الذي جمع عددًا كبيرًا من المفردات والمصطلحات التي باتت تمثل قاموسا لمتبني الخطاب العنيف سواء من الشخصيات العامة أو الشعبية.

من جانب آخر، أكدت شبكة تحالف الاقليات العراقية من خلال تقريرها الرصدي ضعف دور الاعلام في تسليط الضوء على الصراعات الاقليمية واثرها على واقع وحقوق الاقليات العراقية، كما اشارت الى تنامي خطاب الكراهية ورصدت خلال العام 2020 أكثر من (36) خطاب كراهية استهدف الاقليات 60% من تلك الخطابات  كانت في اقليم كردستان شمال العراق.

قوانين قاصرة وأخرى معطلة

إنّ القانون العراقي قاصر عن معالجة أزمة استخدام الإعلام في الحروب الإعلامية، فقد ركز المشرع على القوانين التي تحفظ عدم انتقاد السلطة تحت بند القذف والتشهير بقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وهي مواد قانونية وجدت لحماية السلطة الحاكمة، وتتحمل هيئة الإعلام والاتصالات ونقابة الصحفيين مسؤولية رقابة وسائل الاعلام، فالهيئة لديها مدونات النشر في وسائل الإعلام التي تستخدمها السلطة والجهات المتنفذة لقمع وسائل الإعلام المعارضة للحكومة فقط، أما الموالية فهي حتى وإن خرقت مدونات النشر فلا تحاسب.

وبالنسبة لسلطة نقابة الصحفيين فهي تعمل وفق قانون نقابة الصحفيين رقم 178 لسنة 1969 وقانون حقوق الصحفيين رقم 21 لسنة 2011، ومن خلالهما تستطيع مراقبة مدى التزام الصحفيين بصفتهم الصحفية بغض النظر عن مؤسساتهم، ومدى تطبيقهم لقواعد المهنة، لكننا لم نجد شيئا اتخذ بحق صحفيين خرقوا قواعد المهنة رغم وجود قضايا وأكاذيب نشرها صحفيون ضمن مسار الحرب الإعلامية المستعرة في العراق، وفقاً لقناعة الصحفي والاكاديمي د. مسلم عباس.

رقابة عادلة وضوابط صارمة

يرى مراقبون ومختصون في الشأن الاعلامي ضرورة تفعيل القوانين المتعلقة بالعمل الاعلامي وتشديد الرقابة على الانتهاكات التي تصدر من وسائل الاعلام مع مراعاة "المساواة" في تطبيق القانون بعيدًا عن "الانتقائية" المعمول بها في الوقت الحالي، فالردع يجب أن يطبق على الجميع مهما كان الممول والمالك كما يجب أن تضمن الجهات الحكومية حماية المتضررين من تلك الانتهاكات الاعلامية.

من جانبها، دعت فريال الكعبي الجهات المنظمة لعمل وسائل الاعلام بضرورة وضع ضوابط مؤسساتية صارمة عند انشاء أو تأسيس وسيلة اعلام ويجب أن تقوم على مفاهيم حقوق الانسان وتوصي بضرورة التحرّك لوقف إهانة كرامة النساء في بعض هذه المؤسسات والتوجيه بتعديل سياستها في التعامل مع قضايا النساء وحقوق الانسان وإنشاء آليات رصد لمتابعة تلك القنوات ومقاضاتها قانونيا مع ضرورة تدريب الكوادر الإعلامية وبشكل دوري حول مبادئ العمل الصحفي ضمن اطار حقوق الانسان.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة تريفور براون.