الإعلام بمواجهة الإرهاب.. شهادات حيّة وهذا ما فعلته التنظيمات لتنتشر

Oct 30, 2018 في السلامة الرقمية والجسدية

في ظل الحرب العسكريّة الدائرة منذ ما يقارب الثلاثين عاماً على التنظيمات الإرهابية سواء في باكستان وأفغانستان أو من بعدها في العراق و سوريا والكثير من الدول الأخرى، استطاعت التنظيمات تطوير طرق انتشارها، إذ أصبحت الطرق الجغرافيّة صعبة وتكاد تكون مستحيلة خصوصاً مع توالي الأطراف المحاربة لهذه التنظيمات، حيث بدأت بالاتحاد السوفييتي لتأتي بعدها الولايات المتحدة الأميركية، ولتصبح لاحقاً تحالفات غربيّة وعربيّة، وهذا ما دفع تلك التنظيمات إلى إيجاد طرقٍ جديدة تجذب مقاتلين وعوائل جدد للانضمام لهم.

ومن هنا كان تطوير الإعلام بالنسبة لهذه التنظيمات حاجةً مُلحّة ليصبح سلاحاً ذي حدّين لمن يستخدمونه في مواجهة هذه التنظيمات.

ويقول خليفة الخضر وهو ناشطٌ إعلامي في ريف حلب سبق وتم اعتقاله لعدّة أشهر من قبل تنظيم "داعش" أنّ الإعلام هو أهم الطرق التي يمكن مواجهة التنظيمات المتطرفة فيها، خصوصاً أنّ معظم هذه التنظيمات تعمد على منع أي وسائل إعلاميّة من العمل في المناطق التي تفرض سيطرتها عليها، عندها يُصبح نقل أي صورةٍ أو خبر من تلك المناطق بحدِّ ذاتها مواجهة لهذه التنظيمات.

ويُشيد الخضر بدور الإعلام واصفاً بأنّه قد أصبح أهم من الدور العسكري، إذ أن المحاربة العسكرية لهذه التنظيمات منذ عقود قامت بالقضاء على الشخصيات التي تقودها ولكنها لم تقضِ على فكرها المتطرف الذي استطاع الانتشار بين الناس، لذلك التركيز على الإعلام يعني القضاء على الفكر ويحول دون انتشاره، وهذا بدوره سيقضي على التنظيمات المتطرفة، ولكن القضاء على الأشخاص مع إهمال الفكر سيؤدي لتغيير وجوه التنظيمات مع استمرار انتشارها بشكلٍ أكبر .

ويكمل خليفة الخضر: "قمت بكتابة كتابي الأول بعنوان "الكناعيص" وهو مجموعة قصصية لشهاداتٍ جمعتها على لسان سجناء كانوا محتجزين معي في سجن تنظيم داعش، أحاول فيه إيصال القصص التي جرت معنا إلى الناس بكافة أطيافهم وانتماءاتهم إذ أنّ معرفة هذه التنظيمات من الداخل والحديث عنها إعلامياً يساعد الناس في تكوين فكرةٍ شخصيّة بعيداً عن أقاويل الإعلام وهو ما يعطيهم ثقة في قراراتهم ليكونوا جزءاً من الحرب على الإرهاب ولا يشعرون بأنّهم مجرد ادوات مسيّسة".

وقد شهدت مناطق شرق وشمال سوريا بالإضافة إلى مناطق غرب العراق العديد من المنظمات والحملات التي عملت على توثيق انتهاكات التنظيمات المتطرفة مثل داعش وجبهة النصرة والعمل على إطلاق حملاتٍ إعلاميّة توضح هذه الانتهاكات وحملات توعويّة موجهة للناس المتواجدين في المناطق التي تسيطر عليها تلك التنظيمات منعاً من تأثرهم بالأيديولوجيّة التي يقوم فيها التنظيم.

وعن هذه الحملات يتحدث زيد الفراتي مراسل منظمة صوت وصورة عن مجلة "دابئ" ويقول :"بدايةً مع الاسم -دابئ- والذي تم اختياره بناءً على مجلةٍ لتنظيم داعش اسمها -دابق- حيث ظنّ الناس أنّها خطأ مطبعي مع اعتمادنا على الألوان الخارجيّة والشكل ذاته لم يخف الناس التقاطها من الشوارع وأخذها إلى منازلهم". ويكمل: "بدأنا بذكر الأخبار المهمّة فقط في المجلة وذلك بعد منع تنظيم داعش لأجهزة التلفاز والإنترنت من المنازل والتشديد على الإنترنت في الصالات العامّة مما دفعنا لإيصال الاخبار إلى الناس بهذه الطريقة لنرفق لاحقاً بعض النكات والكاريكاتور المضحكة محاولين التخفيف عن الناس".

كما أنّ تنظيم داعش بدوره لم يتوانَ عن إفساح المجال لمحاربيه، إذ أنّه بالتزامن مع التضييق على أي عملٍ إعلامي في المناطق التي يسيطر عليها قام بإنشاء وزارةٍ للإعلام كانت مسؤولةً عن كل الامور الإعلاميّة في التنظيم مثل إنشاء وكالاتٍ إخبارية تتبع للتنظيم مثل وكالة أعماق أو التعاون مع المؤسسات الإعلاميّة التي كانت تعمل تحت كنف التنظيم قبل إنشاء هذه الوزارة مثل مؤسسة الحياة  مؤسسة الفرقان والكثير من المؤسسات المسؤولة عن المقاطع المصوّرة الصادرة عن التنظيم، ولكنّ هذه الوزارة حاولت التقدم خطوةً عن المكاتب الإعلاميّة التي سبق وعملت مع التنظيمات المتطرفة، حيث عملت على أمرين كانا الأهمّ في انتشار التنظيم أولهما كان إنشاء مكاتب إعلاميّة تتبع لكل مدينةٍ يسيطر عليها التنظيم وأسموها "مكاتب الولايات" لتكون الناطق الرسمي باسم التنظيم مع التركيز على السماح لمن أسموهم "المناصرين" وهم عناصر غير منضوين تحت راية التنظيم ولكن يُسمح لهم بنشر ما يصدر عن التنظيم بكثافة مما سمح بنشر المقاطع المصورة على نطاقٍ واسع رغم حذفها من قبل المواقع الالكترونيّة مثل يوتيوب وغيره، كما عملت هذه المكاتب على إنشاء نقاطٍ تحت اسم "النقاط الإعلاميّة" تقوم بتوزيع المقاطع المصوّرة والصور والصحف الصادرة عن التنظيم بشكلٍ مجانّي للناس في شوارع المدن التي يتواجد فيها التنظيم.

أما الأمر الثاني فهو العمل على تطوير الإعلام العقائدي الذي يحاول إيصال أفكار التنظيم، حيث أدخلوا أفكار التنظيم في كل جوانب الحياة منها إنشاء راديو أسموه البيان في مدينة الرقة وريفها بالإضافة لتواجد موقعٍ إلكتروني ينقل بث الراديو مع قناةٍ تلفزيونيّة أرضيّة، أما أهمّ ما أنجزه إعلام التنظيم هو منهاجٌ تعليمي بالتعاون مع مكتب التعليم في التنظيم موجهٌ من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الإعدادي (من 6 سنوات حتى 15 سنة) ويحوي تقريباً معظم المواد المتواجدة في المناهج التعليميّة حول العالم مثل المواد العلميّة كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم أو الأدبيّة مثل اللغة العربيّة بتعدد أبوابها واللغة الانكليزية وغيرها من المواد، ومواد أخرى مثل التربيّة البدنيّة والمواد الدينيّة، ولكن أخطر ما حمله هذا المنهاج هو انتشار أفكار التنظيم فيه وإدراج مسميّات التنظيم حتى في المواد العلميّة مثل مسألة رياضيّة وردت في مادة الرياضيات تحوي الطلب التالي "لو وُجِدَ 7 رصاصات في مسدسك، كم مرتداً تستطيع أن تقتل؟"، ويُعتبر هذا المنهاج خطراً إذ أن التنظيم قام بنشره بكثافة على شبكة الإنترنت وبشكلٍ مجّاني، بالإضافة لتطبيقاتٍ مساعدة للمنهاج على الهاتف المحمول وهو ما شكّل خطراً محدقاً إذ أنّها أصبحت تصل إلى أي منزلٍ في كل العالم ويُمكن أن تؤثر على الفئة المستهدفة خصوصاً أن رسائل التنظيم قد حملت تنبيهاتٍ تحذّر الطفل من إخبار أهله بحب التنظيم أو نيّته للانضمام له.

ويكمل زيد عن هذا الموضوع قائلاً: "عملنا في نشر الصحف والمنشورات المناهضة للتنظيم محلياً ساعد في منع الناس من الانضمام له وأعطتنا ثقتهم ولكن لاحقاً أصبحت المشكلة في الناس القاطنين خارج مناطق هذا التنظيم وكانت البداية بشكلٍ خاص مع تدفق المنضمين من أنحاء العالم إلى التنظيم في عام 2014 وهو ما دفعنا إلى إطلاق حملاتٍ الكترونيّة ومحاولة نشر صورٍ ومقاطع من مناطق سيطرة التنظيم تظهر الوجه الآخر لحكمه من إعداماتٍ وجلدٍ وتجنيد أطفالٍ بالقوّة وذلك لنسف محاولات التنظيمات الإعلاميّة بجذب المناصرين له".

ويُذكر أنّ التنظيم قد صبّ غضبه على الإعلاميين المحاربين له حيث قام بملاحقة العديد من الإعلاميين حتى خارج المناطق التي يسيطر عليها مثل ناجي الجرف وابراهيم عبدالقادر وزاهر الشرقاط وآخرين قام التنظيم باغتيالهم في مدنٍ تركيّة وقد عُرفوا بنشاطاتهم الإعلاميّة التي كان لها صدىً مدوٍ في وجه ماكينة التنظيم الإعلاميّة.

الصور الرئيسية من أرشيف منظمة صوت وصورة.