الإعلام الجمعوي.. تجربة تجمع الإعلام والمجتمع المدني

بواسطة يوسف أسكور
Oct 5, 2023 في الصحافة المستقلة
صورة

تعرّف الأمم المتحدة منظمات المجتمع المدني بأنّها تطوعية غير حكومية وغير هادفة للربح يُشكلها ناشطون في المجال الاجتماعي. ويستخدم هذا المصطلح لوصف مجموعة واسعة من المنظمات والشبكات والجمعيات والمجموعات والحركات التي تعمل بشكل مستقل عن الحكومة، والتي تضافر جهودها لتعزيز مصالحها المشتركة من خلال العمل الجماعي.

واعتباراً للتحولات القيمية الكبيرة التي شهدها العالم خلال الألفية الحالية، اتسعت رقعة تدخل مؤسسات المجتمع المدني، وازدادت أدوارها، وتنوعت معها أشكال تدخلها، لتنتقل من أشكال التدخل التقليدية المباشرة، إلى أشكال تستخدم التحول الرقمي وتوظفه في بلوغ أهدافها.

ولعلّ أبرز ما يمكن أن نقدمه كنموذج على هذا التحول، هو الإعلام الجمعوي الذي أضحى في أنحاء كثيرة من العالم، يمثل ظاهرة سريعة النمو، تغري فئة عريضة من منظمات المجتمع المدني، نظراً لما تتيحه من فرص لزيادة انتشار هذه المؤسسات، ومخاطبة الجمهور من خلال الوسائط الرقمية الأكثر انتشاراً واستعمالاً.

وتعد تجارب الإعلام الجمعوي متعددة، حيث يمكن أن يتخذ هذا الإعلام شكلاً مطبوعًا، أو مذاعًا عبر الأثير، أو عبر الإنترنت أيضًا، وهو الشكل الذي يهمنا، ويتميز بكونه يعتمد اللغة المحلية، ويتناول قضايا سياقية تعبر عن خصوصية المجال الجغرافي الذي تشتغل فيه، وعادة يعتمد خطاً تحريرياً ينضبط للمرجعيات الأممية في مجال حقوق الإنسان، ما يجعله آلية تدخل تهدف التأثير إيجاباً في المجتمع المحلي والنهوض به.

وتنتشر محطات الإذاعات الجمعوية كنموذج إعلامي يساهم في تعزيز التنمية على المستوى المحلي والتوعية المدنية، وهو ما تلتقي عنده أغلب مؤسسات الإعلام الجمعوي، حيث تساهم في جعل الوعي بحقوق الإنسان وممارسة حرية التعبير واقعًا ملموسًا، ما يُكسب عملها أهمية كبيرة.

بين الإعلام الجمعوي والإعلام الرسمي

يتميز الإعلام الجمعوي عن الإعلام الرسمي/التقليدي في كونه لا يقتصر فقط على نقل المعلومة، بل يتجاوز ذلك إلى إبداء الرأي وتقديم وجهة نظره علاقة بالمواضيع التي يتفاعل معها، بل في أحيان عديدة يقوم بالنبش في هوامش المجتمع، لتسليط الضوء على مساحات مظلمة قد لا تصلها مؤسسات الإعلام الرسمي/التقليدي.

ولفهم الإعلام الجمعوي أكثر، يمكن أن نسوق جملة خصائص تميزه عن بقية الأشكال الإعلامية الأخرى:

·  احتضان مؤسسات المجتمع المدني لوسيلة الإعلام وقدرتها على توجيهها للتفاعل مع قضايا المجتمع؛

·  استنادها على خلفية فكرية أو مرجعية حقوقية؛

·  تقديم خدمة القرب للمجتمع المحلي؛

·  ضمان مشاركة المجتمع المحلي والفعاليات المدنية؛

·  وسائل إعلام موضوعاتية؛

·  اعتمادها نموذج اقتصادي غير ربحي.

بين الإعلامي والفاعل المدني

عكس الإعلام التقليدي/الرسمي، يتخذ الإعلام الجمعوي مساحات وافية من المرونة في التعامل مع الصحفيين والإعلاميين الذين يشرفون على إعداد وتقديم البرامج الإذاعية، حيث أن أغلب العاملين في الإذاعات الجمعوية هم فاعلون مدنيون، من خلفيات أكاديمية اجتماعية، علمية أو قانونية، يرون الإعلام الجمعوي استمراراً لنضالهم المدني وضرورة حتمية قضت بها مستجدات العصر.

ويسمح الإعلام الجمعوي لعدد كبير من الأشخاص من معانقة حلم الصحافة، الذي راوده أيام الصبى، وحالت بينه وبين تحقيقه تعقيدات المجتمع ومنسوب الرقابة المرتفع بالإعلام التقليدي، حيث يجب تطوير المعارف والمهارات الأساسية المطلوبة لممارسة عمل صحفي ينضبط مع المعايير المتعارف عليها.

بذلك يكون الإعلام الجمعوي مزجًا بين الإعلام بضوابطه العلمية ومهاراته والعمل المدني بمقارباته الفكرية وتصوراته التنموية، ليشكل أداة فعالة ومهمة، تفسر الاهتمام المتزايد بها.

الإعلام الجمعوي/الجمعياتي بتونس – إذاعة السيدة إف إم

إذاعة السيدة أف أم هي إذاعة جمعوية/جمعياتية تابعة للمعهد العربي لحقوق الإنسان بتونس، انطلقت سنة 2020، تعد أول إذاعة جمعوية شاملة ومتخصصة في مجال حقوق إنسان بتونس، وتهدف إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة والتربية عليهما.

تقدم إذاعة السيدة أف أم برمجة متنوعة تنضبط لميثاق تحريري يروم تكريس ثقافة حقوق الإنسان للجميع وبناء مجتمع إيجابي وفاعل، استمرارًا لأهداف المعهد وتكريس مبادئه عن طريق إعلام القرب.

في هذا السياق، تقول الصحفية الاستقصائية ومديرة البرمجة بإذاعة السيدة أف أم، نجوى الهمامي، إن الإذاعة استلهمت اسمها من المرأة التونسية "عائشة المنوبية" التي عُرفت بحسن سيرتها ومبادراتها الإنسانية العديدة، حتى كرّمها سكان منطقتها "منّوبة" ببناء مقام لها تحمل اسم زاوية "السيدة المنوبية".

تضيف الهمامي، يضم فريق الإذاعة صحفيين ذوي خلفية مدنية وحقوقية، يعملون بالمعهد ويشرفون على إعداد شبكة برامج الإذاعة التي تستهدف كافة الفئات العمرية والإجتماعية في تونس وفي كافة دول العالم وخاصة منها الفئات المهمشة والضعيفة.

نجحت تجربة إذاعة "السيدة أف أم" في بناء مجتمع متابعين للإذاعة على تطبيق فيسبوك يناهز 30 ألف متابع، بوتيرة نشر يومية ومتنوعة.

الإعلام الجمعوي بالمغرب – إذاعة كش راديو

بحسب دراسة لليونسكو تعود إلى سنة 2017، يناهز عدد هذه الوسائل الإعلامية الجمعوية حوالي 60 وسيلة منتشرة في مختلف جهات المغرب.

إذاعة كش راديو، وسيلة إعلام جمعوية أطلقتها جمعية مبادرات مواطنة في مايو/أيار 2015، وهي إذاعة جمعوية رقمية مستقلة غير ربحية تشتغل بجهة مراكش اسفي. تنتج الإذاعة مواد إعلامية منسجمة مع القيم الكونية لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليًا للمساهمة في نشر قيم الديموقراطية والمساواة وحقوق الإنسان واحترام الحريات وإشاعة قيم التسامح وقبول الآخر والحوار.

تقوم الإذاعة بالاشتغال مع كل الفاعلين المدنيين داخل الجهة لبلوغ الموضوعية بالانفتاح على الرأي والرأي الآخر، في احترام تام للمستمعين/ات بكونهم مواطنين/ات وليسوا مجرد مستهلكين/ات، واحترام للقوانين والتشريعات الجاري العمل بها داخل المغرب.

·  تهتم بقضايا محددة وتسعى إلى إبراز وتثمين المبادرات الجمعوية والمواطنة.

·  تتبع الأنشطة والملتقيات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالجهة.

·  تركز على المواضيع التي تهتم بالنوع الاجتماعي والشباب والنساء والأطفال والبيئة والهجرة.

·  تعتمد برامج إذاعية متنوعة باللغة العربية والأمازيغية والفرنسية والانجليزية مع الانفتاح على باقي اللغات للتواصل مع الجمهور الواسع.

الإعلام الجمعوي وسؤال الإطار القانوني

تحظى الإذاعات الجمعوية في تونس بالاعتراف القانوني اللازم، بعد قرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري عدد 3 لسنة 2014 المؤرخ في 5 مارس/آذار 2014 والمتعلق بإصدار الشروط للحصول على إجازة إحداث واستغلال قناة إذاعية جمعياتية بالجمهورية التونسية، وهو ما ساهم في تطوير التجربة الإعلامية الجمعوية بشكل كبير، ويعتبر حصول 10 من هذه الإذاعات على رخص بث رسمية من قبل الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي والبصري، من أبرز نتائج نجاحها في التحول الذي حققته بعد الانتقال من الهواية إلى الاحتراف.

في المغرب، لا تزال الإذاعات الجمعوية تشتغل بدون اعتراف قانوني وفي الوقت نفسه ليس هناك منع بنص قانوني صريح، وهو ما دفع بالإذاعات الجمعوية للتحالف وتكثيف الجهود لأجل المطالبة بوضع إطار قانوني للإعلام الجمعوي، كان آخره المنتدى الوطني الأول للإعلام الجمعوي بالمغرب الذي نظمه منتدى بدائل المغرب، عبر قطبه الإعلامي "بوابة جسور" خلال شهر فبراير/شباط من السنة الماضية (2022).

كيف أؤسس إذاعة جمعوية؟

1)   تحديد الموضوع المراد العمل عليه والهدف الاجتماعي المراد تحقيقه؛

2)   تحديد أعضاء الجمعية وتوزيع الأدوار؛

3)   تأسيس جمعية مجتمع مدني وفق القوانين والمساطر الجاري بها العمل في البلد المراد تأسيس إذاعة به؛

4)   وضع نموذج اقتصادي خاص بالإذاعة (غير ربحي)؛

5)   تشكيل فريق عمل مؤهل وإطلاق برنامج لتقوية القدرات في مجال الإعلام الجمعوي؛

6)   تحديد الخط التحريري للإذاعة؛

7)   تحديد شبكة البرامج؛

8)   تحديد منصة البث (إعداد موقع إلكتروني، مواقع التواصل الاجتماعي)

9)   تجهيز استوديو للتسجيل والتصوير واقتناء المعدات التقنية الخاصة بتسجيل الصوت والتصوير والمونتاج؛

10)    إطلاق العمل بالإذاعة.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة بي بالوجين.