الأمهات الصحفيّات.. قصص وتحديات وإرشادات

بواسطة شفاء القضاة
Mar 21, 2023 في موضوعات متخصصة
صورة تعبيرية

تواجه الصحفيّات اللواتي رُزقن بأطفال وأصبحن أُمهات العديد من التحديّات، ليغدو من الصعب عليهنَ ترك عملهنَّ في الصحافة، وبالوقت نفسه تتحوّل حياتهنَّ لتتركز حوله وحول أبنائهنَّ في محاولةٍ منهنَ للتوازن أو تحقيق أفضل تواصلٍ مع الأطفال، خاصةً وأنَّ العمل الصحفيّ لا يعتمد على ساعاتٍ محددةٍ للدوام، وإنما تغلق الصحفية الحاسوب بعد العمل؛ لتفتح الهاتف المحمول وتتابع ما فاتها، أو تحاول الاطلاع دائمًا على الأحداث.

في هذا السياق، التقت شبكة الصحفيين الدوليين، بالصحفيّة الاستقصائيّة والمدربة الدوليّة ميس قات، والمحررة العربيّة للشبكة العالمية للصحافة الاستقصائيّة مجدولين حسن، والصحفيّة التشيليّة الفرنسيّة والمراسلة الحربيّة كريستينا لوم، والصحفيّة هديل عرجة، التي شاركت بتأسيس مؤسستين مستقلتين Tiny Hand، وFrontline in Focus اللتين تُعنيان بتغطية قصص الأطفال في مناطق النزاع واللواتي اختلفت دولهنَّ وتغطياتهنَّ وتشابكت تحدياتهنَّ وآمالهن، بالإضافة إلى آلامهن.

الصحفيّات بلغة الأرقام

تظهرُ دراسةٌ أجراها معهد رويتزر في 12 دولة أنَّ غالبية المحررين هم من الرجال، بما في ذلك البلدان التي يفوق فيها عدد النساء عدد الرجال بين الصحفيين العاملين، فيما تختلف نسبة النساء في المناصب التحريرية العليا اختلافًا كبيرًا من بلد إلى آخر؛ من 5٪ في المكسيك إلى 44٪ في الولايات المتحدة الأميركيّة.

كما أنَّ العديد من البلدان التي حصلت على درجات جيدة في مؤشر الأمم المتحدة لعدم المساواة بين الجنسين (UN GII) لديها عدد قليل نسبيًا من النساء بين كبار المحررين، وهناك تباين ملحوظ في النسبة المئوية لمستخدمي الأخبار عبر الإنترنت في كل بلد شملته الدراسة والذين يقولون إنهم يتلقون الأخبار من واحد أو أكثر من المواقع الرئيسية مع وجود امرأة في منصب رئاسة التحرير وتتراوح النسبة من 72٪ في كينيا و71٪ في فنلندا و18٪ في المكسيك و27٪ في البرازيل.

وعلى الرغم من التقدّم التكنولوجيّ وتطوّر المفاهيم أمام النساء والرجال، إلا أنه لا يوجد اتجاه عام واضح نحو مزيد من المساواة بين الجنسين في المناصب التحريرية العليا من عام 2022 إلى عام 2023. 

في هذا المقال، تعرض شبكة الصحفيين الدوليين أبرز التحديّات التي قد تواجه الأمهات الصحفيّات:

وقت العمل

تضع السماعات في أُذنيها بينما تركب دراجتها الهوائيّة في طريقها لإيصال ابنتها إلى درس المسرح، تحاول التركيز مع الطريق إضافةً إلى ما يتداوله زملاؤها في الاجتماع الذي تحضره عبر تطبيق "زووم". تصل للمسرح، تنتظر ابنتها لساعةٍ ونصف محاولةً إنجاز العمل المُتبقي عن طريق الهاتف. هذه التجربة من الواقع الذي تعيشه الصحفيّة ميس قات منذ أن أنجبت طفلتها البالغة من العمر 17 سنة، والتي لم تجد بدًا من الاندماج بالعمل على الرغم من تعرّضها للعديد من الضغوط النفسيّة، فكانت تعمل لأكثر من 13 ساعةً يوميًا ولقرابة 6 سنوات.

في حين ترى الصحفيّة مجدولين حسن أنّ عدم وجود أوقاتٍ محددةٍ للعمل يجعل المهنة لا تخلو من التوتر الذي يسلب الكثير من الوقت اللازم لقضائه مع الطفل، إلا أنه وفي الوقت نفسه يبني صورةً تدفع الأبناء للبحث عن أمهاتهنَّ في محرك البحث جوجل والتعرّف عليهنَّ وعلى ما يقمن به، تقول: "وجدت طفلي يبحث عن اسمي في جوجل ذات يوم، كان يشعر بالفخر، يمكن لأبنائنا البحث عنَا وقراءة ما نقدمه". وأضافت أنه من الضروريّ أن تخصص الصحفية الأم وقتًا للحديث مع الطفل، ومشاركته الضغوط التي تمر بها من دون الضغط عليه. 

من جهتها، ترى الصحفيّة هديل عرجة التي تعيش في تركيا أنّ طبيعة العمل الصحفيّ الذي لا يرتبط بأيام بل بأحداث، تنطوي على العديد من المتاعب والصعوبات، وقالت: "نحن في منطقةٍ ذات أحداثٍ ساخنة".

من جانبها، لم ترفض الصحفيّة كرستينا لوم أيّ عمل يستوجب المخاطرة وذلك قبل أن تُصبح أُمَّا وتدرك خطورة الحرب وتبدأ برفض تلك الطلبات والاعتماد على الترجمة وتأليف الكتب وكتابة أخبار المنظمات الإنسانيّة غير الحكوميّة كمصدرٍ للدخل.

التخلي عن الفرص

تجد ميس أن تحوّل الصحفيّة إلى أُم يدفعها إلى فقدان العديد من الفرص مثل السفر إلى بلدانٍ أُخرى أو الامتناع عن التقديم لفرص برواتب ومناصب أعلى، وقالت: "أحاول التدرّج بتخصيص أوقاتٍ محددةٍ للعمل وحذف كل التطبيقات التي لها علاقة به عن هاتفي الشخصي".

فيما ترى مجدولين أنّ وجود الطفل يدفع الصحفيّة للتفكير مليًا في نوعيّة المواد التي تعمل عليها، وخاصةً إذا كانت من النوع الحسّاس، وقالت: "أُفكّر بابني، لا أريد أن يُحرم مني"، ويزيد تفكيرها هذا مع الأخذ بعين الاعتبار وجود الأنظمة غير المتحررة التي تسجن الصحفيات بسبب كتاباتهن.

فيما تغيّرت طريقة كريستينا بالعمل حين أصبحت أُمًا، وفقدت زوجها الأول؛ إذ لم تعد قادرةً على مواجهة الحرب أو التعرّض لأي خطر؛ لأنها كانت الأم والأب لطفلتها، قائلةً "أدركتُ كم أنَّ الحياة ثمينة".

وتظهر البيانات من مكتب الإحصاء الوطني (ONS) أنّ أكثر من نصف الأمهات يجرين تغييرات على وظائفهن بعد الولادة.

صعوبة رعاية الأطفال

مع بدايات الأزمة السوريّة سافرت ميس مع زوجها وطفلتها إلى هولندا؛ حيث استلمت منصبًا إداريًا وهو ما تطلب منها سفرًا متتاليًا، واجتماعاتٍ بمختلف الأوقات؛ لتصطدم بأول تحدٍّ لها وهو المكان الذي ستترك فيه ابنتها لرعايتها خلال وقت عملها.

لا تختلف حياة مجدولين في الغربة عن حياة ميس؛ إذ تعيش مع طفلها (10 أعوام) في إحدى الولايات الأميركيّة، وتبذل جهدها بعدم تركه وحيدًا في المنزل، فيما تطلب منه الهدوء إذا ما كان لديها تسجيلٌ أو مُقابلة وتحرص على الحوار والتواصل معه دومًا.

فيما تسعى هديل لقضاء وقت مع ابنتها (6 سنوات) وممارسة النشاطات مثل الرياضة والرسم؛ حتى لا تشعر بالفراغ أثناء غيابها هي ووالدها الذي يسافر لتغطية أخبار مناطق النزاع.

وتروي كرستينا أنّ سفرها خارج البلاد لأكثر من 3 أسابيع في مراتٍ متقطعة كان أسوأ ما في عملها، وخاصةً حين كانت طفلتها تُخبرها بأنها تريدها بجانبها، وهو ما دفعها لإيجاد طريقةٍ للتواصل معها عن طريق تدوين ملاحظاتها في مذكرتها ورسم ما تعيشه لطفلتها، واصفةً ذلك: "كنت أشعر بالذنب وأنا بعيدةٌ عنها".

بيئة العمل وتحدياتها

تشير ميس إلى وجودِ فتراتٍ انزعجت فيها طفلتها من مديرها بالعمل؛ نتيجة اتصاله المتكرر بها وتأخرها أثناء الحديث عبر الهاتف، ولفتت إلى أنّ زملاءها كانوا متعاونين ومتفهمين لوجود طفلةٍ لديها ويعقدون اجتماعاتهم في نهاية الأُسبوع حين يكون هناك من يرعاها وخاصةً إذا ما كانت الاجتماعات تتطلب السفر إلى دولٍ أُخرى.

تلعب بيئة العمل دورًا مهمًا في حياة الأم الصحفيّة، وعن هذا تتحدث مجدولين، بأن "بيئة العمل المتفهمة والزملاء المتفهمين يحدثون فرقًا بحياة الأمهات، إذ يمكنهم دومًا تفهم تأخرهنَّ عن الاجتماع –مثلًا-؛ نتيجة إيصال أطفالهنَّ إلى المدرسة، أو حصولهنَّ على إجازة لأن الطفل مريض". وتدعو الصحفيّات إلى التركيز على بيئة العمل وإعطائها الأفضليّة واختيارها في كل مرةٍ لتكون داعمةً لهن، قائلةً: "عند مقابلة العمل أخبريهم أنك أُم، وحاولي سؤال الأمهات العاملات في المكان نفسه عن طبيعة تعامل المدراء والزملاء معهن".

وتوجه هديل رسالتها إلى الصحفيّات المُقبلات على الزواج أو الإنجاب بأنّ "الحمل لا يعني خسارة عملهن، وليس عليهنَّ البقاء في أي مكانٍ يشعرهنَّ بأن ليس من حقهنَّ أن يكُنَّ أُمهات".

وعندما تزوجت كرستينا وأعلنت أنها حامل قابلت اثنين من مدرائها اللذين شعرا بخيبة أمل؛ لأنها لن تكون قادرةً على العمل كما السابق – من وجهة نظرهما-، وهو ما دفعها للبحث عن طُرقٍ أُخرى في العمل المُستقل.

وخلال حديثها في مؤتمر "تيدكس للمرأة" عام 2012، تطرّقت الصحفية والمراسلة الحربيّة الأميركية جانين دي جيوفاني، عن إجبار مديرها لها بالذهاب لتغطية الحرب في العراق وترك وليدها ذي الأربعة أشهر، وحين ذلك قال لها صديقٌ عراقيّ عندما رآها هُناك: "اذهبي لابنك، لأنك إن لم تكوني موجودة عند ظهور أسنانه، إن فاتتكِ أولى خطواته، فإنك لن تسامحي نفسك أبداً".

وفي مقال للكاتبة ديزي دولنغ نُشر عام 2017 تحت عنوان "كيف يمكن للمؤسسة دعم الآباء والأمهات العاملين"، شددت على أهمية دور المدير في حياة الموظفين الشخصية لا سيما في بيئات العمل المسببة للضغط، وضرورة دعم المدراء للموظفين، وتطرّقت إلى ضرورة تشجيع جميع الموظفين على استخدام الأيام الشخصية لاحتياجات رعاية الأسرة.

وتدعو ديزي - والتي تعمل مدربة ومستشارة لتعزيز أداء الموظفين-، المدراء إلى تصنيف الاتصالات لا سيما تلك التي يتم إرسالها خارج ساعات العمل، قائلةً: "إن أحد كبار المديرين الذين عملت معهم يرسل كل بريد إلكتروني بعنوان "ليس عاجلاً"؛ "للإثنين"؛ "لمعلوماتك فقط"؛ "عاجل!"، وتسمح هذه الملاحظات البسيطة للفريق الكبير، ومعظمهم من الآباء العاملين بفرز ما يجب القيام به بسهولة في أسرع وقت ممكن وما يمكن تأجيله".

الموازنة بين الأطفال والصحافة

تعتقد ميس أنَّ من واجب كلٍ أُمٍ إعطاء نفسها أولويّة، فإذا هي لم تكن سعيدة من داخلها، فلا أولادها أو شريكها بإمكانهم أن يُسعدوا بسببها، إضافةً إلى ضرورة التركيز على العمل النوعيّ الذي يشعرها بقيمة جهدها بدون أن تحرق نفسها بأعمالٍ لا فائدة منها أو ذات قيمةٍ أقل ومدخولٍ ماديٍّ ضعيف.

وتذكر كرستينا محاولاتها المتكررة لمنح طفلتيها بعد زواجها مرةً أُخرى الوقت للعب والتحدث وأداء واجباتهما المنزلية؛ لذلك كانت تعمل في أوقات نومهما؛ سعيًا منها للتوازن، "لكنني أعلم أن الوقت الذي أمضيته مع طفلتي الأولى بعد وفاة والدها لم يكن كافيًا، في بعض الأحيان لا نختار، لأننا لا نستطيع الاختيار".

الفرق بين الصحفيين والصحفيّات كآباء وأمهات

وعن الفرق بين عمل الرجل والمرأة في الصحافة، ترى كرستينا بأن الأم تتوقع وتنظم كل الأشياء العملية المتعلقة بأطفالها، وعندما يحدث شيء ما، ستتوقف عن كل ما تفعله لأن أولويتها هي الطفل؛ إذا عانى طفلها من حمى شديدة واتصلت المدرسة أثناء المقابلة، فإن الأم تلغي المقابلة على الفور، فيما تعتقد بأن الأب لن يتصرف بالطريقة نفسها، مؤكدةً: "رأيتُ ذلك بوضوح في جميع الصحف التي عملت معها. في معظم الأحيان، يعرف الآباء أن الأمهات أو الأخوات أو الجدات سيؤمنون هذا الدور؛ لذا فإن أولويتهم ستكون المقابلة أو الاجتماع".

فيما تروي ميس سفرها ذات مرةٍ مع مجموعةٍ من الصحفيين والصحفيات إلى جنوب إفريقيا لحضور مؤتمرٍ للصحافة الاستقصائيّة، وبعد انتهائه، بقي بعض الصحفيين هناك، بينما عادت الصحفيّات لمنازلهنَّ على الفور، قائلةً: "نحن الصحفيات الأُمهات اللواتي يجب أن يعدن للمنزل بسرعة ونشعر بالذنب لأننا نترك الأطفال ونخرج للعمل". 

وتجد مجدولين أنّ العبء الأكبر في رعاية الطفل تحملهُ الأم، خاصةً خلال السفر والمدارس والالتزامات، وعلى الرغم من ذلك فإن الأمهات الصحفيّات – من وجهة نظرها-، أكثر حساسيةً ورحمةً واطلاعًا من غيرهن؛ نتيجةَ استماعهنَّ لقصص الآخرين وإجراء المُقابلات، وعادةً ما يكون أطفالهنَّ متحدثين مثلهن.

إرشادات للصحفيّات الأُمهات

  • تأكدي من أن لديك زوجًا داعمًا لمهنتك ومتفهمًا لطبيعتها.
  • أحصلي على مرشدين وموجهين لك في كيفيّة الموازنة بين طفلك وعملك. 
  • أُطلبي الدعم من صاحب العمل حين تحتاجين له.
  • كأم صحفيّة قد تواجهين تحديات لن يواجهها الآخرون، تقبلي أنّ الحياة ليست عادلة وابحثي عن طريقة للفوز.
  • فكري بنفسك واهتماماتك ولا تتوقفي عن الطموح والحلم لمجرد أنكِ أصبحت أمًا.
  • اختاري العمل الذي يقدّرك ويتفهم فيه الزملاء طبيعة أن يكون لديك أطفال واعرفي قيمة عملك وطالبي بتعويضك بشكلٍ عادل.
  • حاولي اغتنام الفرص وتناقشي مع طفلك حول ذلك من دون الضغط عليه أو إرهاقه.
  • تدرجي بحذف تطبيقات العمل عن هاتفك المحمول وافصلي بين العمل وطفلك عن طريق منحه وقتًا للحديث والتواصل معه.
  • امنحي نفسك الوقت الخاص للراحة بدون إرهاق نفسك بالعمل.

الصورة الرئيسية مصممة عبر كانفا.