إرشادات للصحفيين لفهم خريطة النزاع "WANTS"

بواسطة مايكل فارس
Jan 13, 2025 في تغطية الأزمات
صورة

حين ينشأ نزاع بين طرفين مختلفين دينيًا أو مذهبيًا أو عرقيًا أو إثنيًا، كيف يُمكن للصحفيين والإعلاميين تغطية هذا النزاع بمهنية دون تأجيجه أو تصعيده، ليصبحوا من خلال موضوعاتهم الصحفية صوتًا للسلام، ويسهموا في تقريب وجهات النظر بموضوعية؟

وفقًا لتعريف الأمم المتحدة، يُعتبر النزاع  جانبًا حتميًا من التفاعل البشري، ينشب عندما يسعى شخصان أو مجموعتان أو أكثر إلى تحقيق مآرب متضاربة أو غير متوافقة مع بعضها البعض. وقد تتّخذ النزاعات طابعًا عنيفًا، كما هو الحال في الحروب، أو سلميًا كما هو الحال في الانتخابات أو إجراءات المُقاضاة القانونية، إذا ما لاقت توجيهًا بنّاءً نحو الحل، فقد تكون النزاعات مفيدة.

والنزاع في جوهره، يُعد حالة من تضارب الأهداف والمصالح بين طرفين أو أكثر، ويكون قابلًا للتطور والتعقيد ما لم تتم السيطرة عليه بالشكل المناسب، وخلال التغطية الصحفية لأي نزاع، يقتضي الأمر معرفة الأطراف المشاركة، وتحديد الشخصيات المُؤثرة والمُحرضة، بالإضافة إلى فهم السياق والخلفية المرتبطة بالحادثة.

وقد صممت أداة "خريطة النزاع WANTS"، لتتضمّن 5 عوامل رئيسية للصحفيين والإعلاميين، تُشكل خطوات فهم النزاع، وتحليله، وآليات التغطية الصحفية المناسبة له كالتالي:

WANTS

W - Who

A - attitude

N - Needs 

 T -Targets  

S - Solution 

WHO

من هم أطراف النزاع، حين ينشب نزاع بين فردين، أو جماعتين مختلفين سواء عرقيًا أو دينيًا أو إثنيًا، علينا أن نسأل أنفسنا أولاً قبيل التغطية الصحفية، من هم أطراف النزاع؟، ويمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات رئيسية كالتالي:

  • أطراف مباشرة: الأطراف الرئيسية المُنخرطة في النزاع، والفاعلون المباشرون في الأزمة.
  • أطراف غير مباشرة: هم الأطراف الثانوية ولكنهم مؤثرون في النزاع، مثل الأقارب أو الأصدقاء أو الجهات القريبة من أطراف النزاع الرئيسيين.
  • أصحاب المصالح: هم الأشخاص الذين تربطهم مصالح بالنزاع، سواء من خلال الاستفادة من نشوبه أو من حله، وتُعتبر هذه الفئة مهمة، إذ يمكنها أن تلعب دورًا في تأجيج أو تهدئة النزاع بين الطرفين، وقد تضم هذه الفئة شهود العيان، الذين قد يلجأ إليهم الصحفي لآخذ آرائهم في الحدث.

إنّ معرفة الصحفي بتصنيف الأطراف في النزاعات يُعد أمرًا مهمًا، ليكون قادرًا على ربط الأحداث ببعضها البعض، مما يُسهم في تقديم تحليل أعمق وأشمل، ومن ثمّ فهم توجهاتهم.

Attitude

ما هو سلوكهم في النزاع: ما هو السلوك الذي انتهجه كل طرف ضد الآخر؟ هل هو تصعيد أم خفض للنزاع، هل خلال الحدث تضغط الأطراف على بعضها البعض؟، أم تسعى للحل وإيجاد صيغة مشتركة للتوافق، ويظهر ذلك في التصريحات والأفعال معًا، فالتصريحات من جهة تُظهر النهج الذي يتبعه كل طرف في التعامل مع الأزمة، والأفعال من جهة أخرى تظهر على أرض الواقع في سلوك الأطراف، ويتبين منهما هل منحدر النزاع يتجه للتصعيد أم الخفض، وقدرة الصحفي على الربط بين التصريحات والاتجاهات من الأمور المهمة لفهم المرحلة المقبلة وهي الأهداف المُعلنة والاحتياجات الدفينة للأطراف المتنازعة.

Needs

ما هي الاحتياجات الحقيقية لكل طرف، وما هي الدوافع الرئيسية والجوهرية لأطراف النزاع؟، على الصحفي البحث جيدًا لمعرفتها عن طريق بحث السياق والخلفية في الأزمة وعدم الاكتفاء بالظاهر أمامه من تصريحات مُعلنة أو أفعال ظاهرة، قد يكون الاحتياج الحقيقي لأحد الأطراف هو الرغبة في الشعور بالأمن.

Targets

وهي الأهداف المُعلنة التي يُطالب بها كل طرف من الأطراف، ولكن هناك فرق بين تلك الأهداف والاحتياجات، فهناك فرق جوهري بينهما، فالأولى هي الأسباب والرغبات المُعلنة لكل طرف، أما الثانية فهي الدوافع الدفينة الحقيقية المُحركة للنزاع.

وفي كتاب "دليل الصحافة الحساسة للنزاعات. دليل معرفي للصحفيين اليمنيين"، الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، يوضح مُعد الكتاب الإعلامي ياسين الزكري، أن هناك فرقًا بين موضوع النزاع ومصدره، وضرب مثالًا على ذلك، بأن أسرة دخلها لا يكفي إلا لفعل أمرين إما شراء سيارة وهو ما يريده الزوج، وإما استكمال بناء المنزل وهو ما تريده الزوجة، هنا تباين المواقف قد يؤدي إلى نزاع بينهما، موضوع النزاع هو شراء سيارة أم استكمال بناء المنزل، ولكن مصدر النزاع الأساسي هو ندرة الموارد، وهنا نستطيع أن نقول إنّ الأهداف المُعلنة للزوجة استكمال المنزل، وللزوج شراء سيارة، أما الاحتياجات الحقيقية لكل طرف هو المال، الذي إن توفر فلن يدب النزاع بينهما.

وخلال التغطية الصحفية، على الصحفيين عدم الانجراف وراء التصريحات المُعلنة للأطراف، فأهدافهم المُعلنة تخفي وراءها احتياجات حقيقية يجب البحث عنها، ومعرفتها ووضعها في نقاط محددة.  

solution

ما هي الحلول المُمكنة؟ فبعد أن يتمكن الصحفيون والإعلاميون من فهم وتحديد الاحتياجات الحقيقية للأطراف المتنازعة، يُمكنهم وضع خطة لمعالجة النزاع القائم، مع تسليط الضوء على آليات الحلول وإنهاء النزاع، بدلًا من تأجيجه.

تطبيق عملي لأداة "خريطة النزاع WANTS"

في مصر تم إصدار قانون عام 2016 بشأن بناء وترميم الكنائس، وبناءً عليه شُكلت لجنة لتقنين أوضاع الكنائس وتوفيق أوضاع مبانٍ كانت تُقام بها الصلوات لتصبح كنائس بشكل رسمي، وفي منتصف عام 2022، صدر قرار بتقنين أوضاع كنيسة الملاك ميخائيل بقرية الحلة في مدينة إسنا جنوب مصر، وقد أثار هذا القرار نزاعًا بين المسلمين والمسيحيين في القرية، حيث بدأ بشحن طائفي معارض للقرار، تلاه تحريض وتجمهر، ثم تطورت الأحداث إلى قيام بعض الرافضين للقرار بالاعتداء على منازل وممتلكات المسيحيين ورشقها بالحجارة.

وسنطبق أداة WANTS، لتحليل النزاع في تلك الواقعة، والتي تصدر أحد عناوينها البارزة :"بسبب تقنين كنيسة: الشرطة تسيطر على أحداث تجمهر ضد أقباط "الحلة" باسنا وتلقي القبض على بعض المتجمهرين"، ولتحديد كل بند من بنود الأداة، فهذا يقتضي النزول إلى أرض الحادث لمعرفة الأطراف المعنية وأسمائهم، ومعرفة المُؤثرين والمُحرضين، إلى جانب تحليل السياق والخلفية الاجتماعية في تلك القرية، كما يتطلب الأمر أيضًا جمع تصريحات المصادر للكشف عن الاحتياجات الحقيقية للأطراف وأهدافهم وغيرها من التفاصيل.

·      أطراف النزاع .. who

1.  الأطراف المباشرة: بعض الذين اعتدوا على منازل وممتلكات المسيحيين وبعض المُعتدى عليهم.

2.  الأطراف غير مباشرة: باقي الأهالي بالقرية.

3.  أصحاب مصالح: منهم المحرضون. 

  • سلوك الأطراف تصعيد أم خفض؟ المتجمهرون اتخذوا سلوكًا تصعيديًا عن طريق الشحن الطائفي، ثم الاعتداء على المنازل، والاشتباكات مع قوات الأمن، ومسيحيون مكثوا في منازلهم خوفًا من الاشتباك مع المتجمهرين.
  • الأهداف المُعلنة: المتجمهرون لا يريدون بناء الكنيسة والمسيحيون يريدون إقامتها والصلاة فيها.
  • الاحتياجات والدوافع الحقيقية للأطراف: قد يكون الدافع الأساسي للمسيحيين هو السعي إلى ممارسة شعائرهم الدينية والشعور بالأمن داخل مجتمعهم، في المقابل، قد يكون التعصب الديني هو الدافع المُحرك لبعض المتشددين، وهو ما يتعارض مع المبادئ التي أكدت عليها الأمم المتحدة في إعلانها بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد. وقد نصت المادة الأولى من هذا الإعلان على أن لكل إنسان الحق في حرية التفكير والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حرية الإيمان بأي دين أو معتقد يختاره، وحرية التعبير عن دينه أو معتقده من خلال العبادة، وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، سواء بشكل فردي أو جماعي، وبطريقة علنية أو خاصة.

هذه المبادئ تُسلط الضوء على أهمية احترام حرية الدين والمعتقد كحق أساسي للإنسان، مما يؤدي إلى معالجة جذور التعصب، وتعزيز قيم التسامح، والتعايش بين مختلف الأطراف.

  • الحلول المُمكنة: يكمن الحل في معالجة جذور المشكلة بدلاً من الاكتفاء بمظاهرها، وذلك من خلال استئصال بذور التعصب الكامنة لدى المتشددين عن طريق تدخل رجال الدين لتصحيح المفاهيم الخاطئة ونبذ التطرف الفكري، أما دور الصحفي أو الإعلامي، فيبدأ بعد معرفة أبعاد الأزمة، وخلفيتها، وسياقها الصحيح. وينبغي أن تركز التغطية الإعلامية على الخطاب الديني المعتدل والتسامح والتعايش مع الآخر ونبذ التطرف والكراهية، كما يجب إبراز تصريحات المصادر الداعية للتسامح سواء من رجال الدين الإسلامي أو المسيحي بالقرية، مع السعي للوصول إلى مخاوف الأطراف المختلفة، لمعرفة كيفية الرد عليها من خلال التغطية الصحفية، فعلى سبيل المثال، إذا طرح الصحفي سؤالاً على أحد الرافضين لتقنين الكنيسة حول أسباب رفضه، فإن الإجابة قد تكشف عن أهدافه ودوافعه. بناءً على ذلك، يمكن الرد عليه من خلال تفنيد رسالته، والاستعانة بسفراء السلام والداعين إلى التعايش سواء من داخل القرية أو من خلال خبراء متخصصين، في الوقت نفسه، يجب على الصحفي مراعاة استخدام مصطلحات دقيقة خلال التغطية الصحفية، لتجنب أي صياغة قد تزيد من حدة التوتر، مع الالتزام بالمهنية والحيادية في تناول القضية.

الصورة الرئيسية مُولدة بالذكاء الاصطناعي بواسطة ChatGpt4.