أشباه صحافة الحلول

Apr 12, 2023 في موضوعات متخصصة
صورة تعبيرية

تلقى صحافة الحلول رواجًا في الوقت الراهن بسبب اهتمام العديد من المؤسسات الإعلامية العالمية والمنظمات الداعمة للصحافة بهذا النوع الجديد من الصحافة، الذي يبدو أنّ لديه القدرة على جعل الجمهور يتفاعل مع المحتوى الصحفي في ظل ارتفاع معدلات العزوف عن متابعة الأخبار على مستوى العالم. 

وكنت قد لمستُ أثر صحافة الحلول بشكل شخصي عندما قمت بأولى محاولاتي لإنتاج صحافة الحلول عام 2018  أثناء عملي مع بي بي سي؛ إذ وصل عدد قراءات هذه القصة التي كتبتها باللغة الإنجليزية إلى قرابة المليون في اليوم الأول لنشرها. كما نُشرت النسخة العربية منها على كثير من المواقع العربية.

وتأكدنا - نحن أيضًا في إيجاب - من تأثير صحافة الحلول؛ فإيجاب هي منصة متخصصة بصحافة الحلول، تمكّن الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من النشر في وسائل إعلامية عالمية، وتحظى كثير من قصصنا بنسب قراءة عالية جدًا. هذه القصة مثلًا، نشرت على موقع الجارديان وكانت ضمن أكثر القصص قراءة لدرجة أنها نشرت في النسخة الورقية للجريدة البريطانية في اليوم التالي، ويدور محتواها حول تمكّن من القضاء على ظاهرة انتقال فيروس الإيدز من الأم الحامل لوليدها، بعدما كانت بوتسوانا أكثر الدول التي تعاني من هذه المشكلة. 

وهناك العديد من الدراسات التي تدعم هذه الملاحظات الفردية، التي تظهر تفاعل الجمهور مع هذا النوع من الصحافة.

لكن ما هي صحافة الحلول ولماذا ظهرت؟

ظهرت صحافة الحلول منذ عقد من الزمن في الولايات المتحدة وأوروبا، كرد فعل على طغيان الأجندة السلبية للأخبار، التي تبعث على الاكتئاب وترسّخ صورًا نمطية عن العالم بدلًا من نقل الحقيقة كاملة بجانبيها: السلبي والإيجابي.  

وكالعادة، أخذ هذا الاتجاه الجديد بعض الوقت قبل أن يصل إلى منطقتنا ويأخذ في الانتشار خلال العامين الماضيين. ورغم أن هذا الأمر يعتبر تطورًا جيدًا، إلا أن هذا الانتشار لم يصاحبه إصدار مواد توعوية وتدريبية عن هذا النوع الجديد من الصحافة من مصادر موثوقة باللغة العربية، بما يكفي لضمان إنتاج موضوعات صحافة الحلول بجودة عالية. ولذا، فالنتيجة وجود كثير من القصص التي تدعي أنها صحافة حلول، ولكنها ليست كذلك. 

في هذا المقال سنشرح سريعًا أبرز النماذج التي يخلط الصحفيون بينها وبين صحافة الحلول، ولكن قبل كل شيء من المهم التذكير بأن صحافة الحلول هي: تغطية معمّقة، قائمة على تزويد أدلة على الاستجابات للمشكلات المجتمعية.  

وبناء على هذا التعريف فصحافة الحلول: 

  1. ليست آراء ولا نظريات 

دائمًا ما ألاحظ خلال حديثي مع بعض الصحفيين من المنطقة العربية أنهم يعتقدون بأن صحافة الحلول تعني أن يقدّم الصحفي حلولًا في المقال، لكن هذا الأمر غير دقيق؛ فبمجرد أن يبدأ الصحفي بطرح آرائه وأفكاره تصبح المادة مقال رأي وليست تحقيقًا ولا موضوعًا صحفيًا. من حق الصحفي - طبعًا - أن يعبر عن رأيه في مقال رأي، ولكن من المهم أن يعي أن الموضوع في هذه الحالة لا يندرج ضمن صحافة الحلول، التي تُعنى بتغطية حلول طبقت بالفعل. ولذا فمقالات الرأي والتقارير الصحفية التي تُبرز آراء خبراء عن كيفية حل مشكلة ما، لا تعد صحافة حلول.

  1. ليست حلًا سحريًا 

عند إنتاج صحافة الحلول، يمتنع كثير من الصحفيين عن ذكر أي عيوب أو عقبات تواجه الحل الذي يغطونه، فيبدو الموضوع المنشور في نهاية المطاف قصة دعائية للاستجابة المطروحة، بدلًا من أن يكون تحقيقًا جادًا في مدى كفاءة الحل. علينا أن نتذكر أنه لا يوجد حل سحري أو مثالي لأي مشكلة، بل سيكون هناك دائمًا عيب في الحل كأن يكون باهظ الثمن أو يرتبط بوجود عنصر معين يصعّب تطبيقه في أماكن أخرى، وهكذا. ولذا يتعين على الصحفي ذكر مواطن الضعف لأي حل عند تغطيته. ومن الجدير بالذكر أنه من الممكن إنتاج قصة صحفية عن حل لم ينجح في إطار صحافة الحلول.

هل تذكرون قصتي عن الشعر المجعّد التي ذكرتها في بداية المقال؟ رغم أنني كتبتها كصحافة حلول، إلا أنني وقعت في هذا الخطأ لأنني أنتجتها من دون أن أحصل على تدريب جيد عن إنتاج صحافة الحلول. كنت قد كتبتها بناءً على ما سمعته عن هذا النهج، ويمكنكم المقارنة بينها وبين هذه القصة التي كانت آخر قصة أنتجها لصالح بي بي سي قبل مغادرتي عام 2020 لإنشاء "إيجاب". يمكنكم ملاحظة الفرق من ناحية العمق وتغطية الأركان الأربعة لصحافة الحلول، بما فيها عوائق تطبيق الحل، وذلك بعد حصولي على تدريبات عديدة وتعمّقي في صحافة الحلول. 

  1. ليست فكرة إضافية 

يعتقد البعض أنه يكفي أن يخصص جزءًا يتناول الحلول في آخر التقرير لكي تدرج المادة ضمن صحافة حلول. لكن إضافة فقرة عن الحلول في نهاية التقرير لا تعد صحافة حلول؛ ففي هذا النوع من الصحافة يكون تناول الحل هو صلب القصة ويبدأ مع بداية القصة، أما كتابة موضوع من ألف كلمة، مثلًا، يشير إلى الحل في آخر 200 كلمة لا يعتبر صحافة حلول. وهنا أود أن أشير أيضًا لمثال آخر قمت بكتابته ولم أتناوله كصحافة حلول، ولكن فوجئت بأن عددًا من زملائي اعتبره صحافة حلول بسبب إشارتي لبعض المبادرات في نهاية المقال. ولذا من المهم التوعية بأن هذا النوع من المحتوى الصحفي لا يندرج ضمن "صحافة حلول".

  1. ليست قصة نجاح فردية 

يعتقد بعض الصحفيين أن تسليط الضوء على قصص فردية ملهمة، مثل قصص أشخاص يتحدّون الإعاقة أو الفقر أو ما شابه ونجاحهم في الوصول لمكانة كبيرة، تصلح لأن تكون موضوعًا لصحافة الحلول، متناسين أن صحافة الحلول تتناول مشكلات مجتمعية، أي التي يعاني منها مجتمع بأكمله أو فئة بأكملها، وبالتالي فإن الحل ينهي المشكلة لهذا المجتمع أو تلك الفئة. لذلك، لا يصحّ إدراج القصص الملهمة عن شخص واحد، نجاحه لا يحل مشكلة بقية من يعاني من ذات الصعوبات، ضمن صحافة الحلول.  فمثلًا، لا يمكن اعتبار هذه القصة صحافة حلول على الرغم من القصة الملهمة للشابة.

  1. لا تمجّد أي شخص 

يقع صحفيون في فخ تمجيد الشخص الذي بادر بالحل، عوضًا عن التركيز على الحل نفسه، فيظهر الموضوع وكأنه مادة في مدح شخص بحد ذاته، عوضًا عن شرح الحل ومدى كفاءته. في هذه الحالة لا تعد المادة صحافة حلول، ولذا فمن المهم الانتباه على أن تركز التغطية الصحفية على الحل بدلًا من صاحب الحل. على سبيل المثال، سلسلة أبطال السي إن إن الشهيرة (CNN Heroes) والتي تركز على أشخاص أحدثوا تغييرًا في مجتمعاتهم ليست صحافة حلول.

     6. ليست مناصرة

مهمة صحافة الحلول هي التحقق من جدوى حل معين وليس الدعاية له أو دعوة الناس لمناصرته. وبمجرد أن تضاف دعوات للانضمام لمبادرة ما أو التبرع لجهة ما، تخرج القصة من إطار الطرح الصحفي الجاد، لتصبح محتوى ينتج لمناصرة نشاط ما، لذا تجنبوا الانسياق لأي دعوات لتضمين تفاصيل التبرع لنشاط جمعية ما أو الجهة التي تقوم بالحل الذي تتناوله في تغطيتك الصحفية.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة روس سنيدون.