أنتجت شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة الموارد حول خطاب الكراهية بدعم من معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.
يعد علم المنطق مدخلًا هامًا لفهم العمل الصحفي والإعلامي، لاكتشاف الأخطاء التي ترتكب في الصحف والمواقع المختلفة، خصوصًا في تناول قضايا الهُوِيَّة ومن أبرزها الدين والمعتقد؛ حتى لا نرتكبها من جهة، ولا نقع في شباكها حين تُمارس علينا من جهة أخرى، وكلمة السر في فهم المغالطات هي "العقل الناقد".
فالمغالطات المنطقية، نوع من عيوب الحوار، وقد تكون متعمدة وتهدف إلى الخداع أو غير متعمدة وهي الأكثر شيوعًا، وتنبع من الأخطاء في الحجج المنطقية أو الإساءة في استخدام الأدلة وإساءة استخدام اللغة أو الميل إلى جذب المشاعر بدلًا من العقل، ويتم استخدام تلك المغالطات في الكثير من الأحيان لتصدير خطابات الكراهية، وشيطنة الآخر المختلف في المعتقد أو التيار الديني أو حتى السياسي والاجتماعي، وتشوية سمعة الأفراد والجماعات.
يُقال إن "العين ترى والعقل يُفسر"، لذا يجب علينا إخضاع ما تراه أعيننا وما تسمعه آذاننا لتلك القاعدة، وهذا التفسير بروح النقد والرؤية الكاملة لا بقبول ما أظنه حقيقة ولا من زوايا ضيقة، لنسأل أنفسنا دائمًا: "هل هذا ما حدث فعلًا؟"، و"لماذا؟"، فعلم المنطق يعلمنا طريقة التفكير الصحيحة، وكيف نستدل على صحة الفكرة أو خطئها، ويساعدنا على التمييز بين الأفكار المنطقية ذات الحجج القوية والأخرى الضعيفة، لذا فبدون وجود المنطق الصحيح، لا يتمكن أي شخص من التعرُّف والوصول إلى الحقائق أو المعتقدات الصحيحة، وسوف نعرض هنا بعض المغالطات المنطقية التي تمارس في المواقع الصحفية بالمنطقة العربية.
مغالطة التعميم المتسرع:
تحدث تلك المغالطة، حين نستمد خصائص فئة كلية من خصائص عينة من هذه الفئة، أو نستخلص نتيجة حول جميع الأعضاء في مجموعة ما من خلال ملاحظات عن بعض أعضاء هذه المجموعة. ويقول الدكتور عادل مصطفى في كتابه "المغالطات المنطقية غير الصورية"عن هذه المغالطة: إنّ التعميم يأتي من خلال عينة ضئيلة أو غير ممثلة من أفراد يتم استقراؤهم، فأخلص إلى حكم عام على الكل، فمثلًا وجدت رواية في أحد أرفف المكتبة، ثم وجدت رواية أخرى في الرف نفسه، فأخلص إلى نتيجة أن كل الرف يحتوي على روايات، وهذا خطأ؛ لأن هنا العينة غير ممثلة للكل.
على سبيل المثال، يتم نشر خبر عن حادثة مقتل طفل، ويُرفق بعنوان "قتل الأطفال مسؤولية نظام معيّن"، حيث يضفي المحرر صفة (قتل الأطفال) التي قد تقوم بها فئة من الشرطة، على الكل وهو نظام، فدائمًا ما تستخدم تلك المغالطة لشيطنة الآخر وتصدير خطابات كراهية "جماعية" سياسية تجاه نظام أو تيار سياسي أو ديني بعينه، كما تظهر المغالطة في الحوادث الفردية فنعممها على النظام السياسي ككل، أو أحد دعاة الفتنة فنعمم ما قاله على الدين الذي ينتمي إليه.
وتهدف تلك المغالطة لإثارة المشاعر السلبية تجاه الآخر عبر نشر الخوف والغضب والازدراء ضد مجموعة معينة، عطفًا على تبرير التمييز والعنف ضد هذه المجموعة، وإسكات الأصوات المعارضة وترهيبها.
في عدد من المواقع الإخبارية المصرية نُشر خبر حول حادثة حصلت مع رهبان بعنوان "الرهبان الأحباش يهاجمون دير السلطان القبطي في القدس بسبب علم مصر"، ويُفهم من الخبر الذي تمّ تداوله بالطريقة نفسها في أكثر من موقع أن "كل الرهبان"، وفي حال قراءة الخبر كاملًا، سنجد في المتن "عدد من رهبان وأفراد طائفة الأحباش.."، وهذا مثال عن مغالطة التعميم المتسرع، الأمر الذى يؤدى لتصدير خطابات كراهية ضد "الرهبان الأحباش".
وفي عنوان آخر جاء بعنوان :" اعتبروه "مسيئا إلى العقيدة المسيحية" أقباط مصر يطالبون القضاء بوقف فيلم "بحب السيما"، هنا هل نرى
|
في العنوان، أن كل أقباط مصر طالبوا القضاء بوقف فيلم (بحب السيما)؟، بالطبع هي كانت مطالب للبعض فقط، والأفضل أن يكون العنوان "مطالب قبطية بـ…". حتى لا يفهم أن كل المسيحيين يرون أن الفيلم مسيئًا لعقيدتهم.
مغالطة رجل القش
تحدث حين لا تستطيع مهاجمة القضية الأساسية أو حجة الخصم الرئيسة، نختلق حجة فرعية أضعف ونهاجمها. وتعود تسمية المغالطة بهذا الاسم بحسب ما ذكر الدكتور عادل مصطفي في كتابه "المغالطات المنطقية غير الصورية" إلى العصور الوسطى، حيث كان يتم صناعة دمية محشوة بالقش لتمثل الخصم ليبارزه الفارس، فهنا الفارس يبارز خصمًا من قش وليس خصمًا حقيقيًّا، أي مهاجمة حجة بديلة ضعيفة بدلًا من الأساسية الرئيسية، وغالبًا ما تظهر هذه المغالطة في النقاشات التي تدور حول افتراض تحريم أو منع أمر، ومَن يستخدم هذه المغالطة إما عن إدراك ووعي فيدل ذلك على سوء النية وعدم المقدرة على الجدال المنطقي، وإما بدون وعي فيدل ذلك على جهل الشخص.
وغالبًا ما يؤدي استخدام تلك المغالطة في قضايا الهوية المتعلقة بالأديان والثقافات والإثنيات والعرقيات إلى الترويج لخطابات كراهية تجاه الآخرين، حيث يربط مستخدمو تلك المغالطة بشكل غير منطقي الأحداث تجاه القضية المطروحة، ويستبدلون القضية الأساسية بأخرى أضعف لسهولة مهاجمتها.
جاء العنوان التالي في أحد المواقع المصرية: "لمن يهاجمون حجاب الطالبات.. عضو النور: أين أنتم من العري في الساحل والقرى السياحية"، هنا نجد أن عضو الهيئة العليا لحزب النور لم يرد على الحجة الأصلية وهي (انتقاد ارتداء الحجاب) بمبررات منطقية مثل أنها حرية شخصية أو الإتيان بأسانيد فقهية، بل استبدلها بحجة أضعف وهي العري (رجل القش) وبدأ في مهاجمتها، فتم الدفاع عن قضية "الحرية الشخصية في ارتداء الملابس" بحجة أضعف وهي مقارنتها بـ"العري".
تحدثت مع الدكتور عادل مصطفى، مؤلف كتاب المغالطات المنطقية غير الصورية، عن المغالطة، وأكد أنّ العنوان يحتوي على مغالطتين الأولى (رجل القش)؛ لأنه حين نهاجم الحجاب، هنا لم نؤيد العري ولم نقل بذلك، فهو اعتبر أنني أساند العري في الساحل، وهذه ليست حجتي، ولكنه ألبسني حجة ضعيفة وهشة، لذا صنع (رجل قش) وهاجمه، والمغالطة الثانية تسمى (الإحراج الزائف) أو (قسمة ثنائية زائفة)؛ لأنه تم وضعي بين إما الحجاب وإما العري في الساحل، ولا خيار ثالثًا بينهما، ولكن الواقع يؤكد أن هناك خيارات أخرى كثيرة.
ويوجد عدة أشكال من مغالطة رجل القش، ذكرها الدكتور مصطفى عادل في كتابه مثل التحريف بالتجزِيء وهو تناول جزء من موقف الخصم وتأخذه بأكثر من حجمه وتعممه وتعامله كأنه هو الموقف الكلي، والشكل الثاني هو التصنيف والتنميط بحيث تصنف الخصم تصنيفًا خاطئًا وتسمه بما ليس فيه وتسقط عليه تصنيفات فئوية خاصة لا تناسبه، وكذلك التنميط حيث تصفه بسمات معينة تميز جماعته أو طائفته المنتمي إليها، والشكل الثالث والأخير هو رجل القش المتطرف مثل أن ترمي خصمك بالتطرف وهو معتدل، فليس كل ما ينطبق على فرد ينطبق على جماعته أو طائفته، وفي "الإسلاموفوبيا" حين يحدث عمل إرهابي نسمع مصطلحات من قبيل "المسلمون متشددون، إرهابيون، متطرفون،..."، فمَن يقول ذلك وضع صفة الإرهاب أو التطرف في واقعة محددة وأضفاها على كل المسلمين"، تلك العبارات تصدير خطابات كراهية تجاه المسلمين مستندة لتلك المغالطة، أو يتم تصديرها تجاه اللاجئين من قبيل عبارات "اللاجئون يدمرون اقتصاد البلد".
الصورة الرئيسة منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي من خلال شات جي بي تي.