تبرز أهميّة الصحافة المتخصصة في إعداد التقارير حول النوع الإجتماعي، في الوقت الذي يزيد فيه تهميش الفتيات والنساء، وزيادة تعرّضهن للعنف والاعتداءات الجنسيّة والتحرّش والمضايقات على أرض الواقع وعبر الإنترنت. ومن هنا لا بدّ أن يُدرك الصحفيون أبرز المصطلحات التي يستخدمونها في تقاريرهم وأن يلتزموا بالمبادئ الأخلاقيّة وبالأسس التي تجعل تقاريرهم مهنيّة، وأن تركّز على السياق باعتبار الحدث انتهاكًا لحقوق الإنسان وليس عابرًا أو منعزلًا من أجل التثقيف والمساهمة في التغيير الإجتماعي.
وقد أبرزت دراسة أجريت عام 2015 من إحدى مؤسسات الأبحاث الأسترالية بعض العيوب الشائعة في الطريقة التي تصور بها وسائل الإعلام العنف ضد المرأة، بما في ذلك القصص المثيرة، الأساطير والتضليل، وإلقاء اللوم المباشر وغير المباشر على الضحايا.
بناءً على ما تقدّم لا بد من توضيح العنف ضد المرأة الذي يشمل على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
أ- العنف البدني والجنسي والنفسي الذي يحدث في إطار الأسرة بما في ذلك الضرب والتعدي الجنسي على أطفال الأسرة الإناث، والعنف المتصل بالمهر، واغتصاب الزوجة، وختان الإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال.
ب- العنف البدني والجنسي والنفسي الذي يحدث في إطار المجتمع العام بما في ذلك الاغتصاب والتعدي الجنسي والمضايقة الجنسية والتخويف في مكان العمل وفي المؤسسات التعليمية وأي مكان آخر، والاتجار بالنساء.
ج- العنف البدني والجنسي والنفسي الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه، أينما وقع.
تعريف المصطلحات الأساسية
توضح هيئة الأمم المتحدة للمرأة أنواع العنف ضد النساء والفتيات، وتصف المصطلحات الرئيسية كما يلي:
العنف القائم على النوع الاجتماعي
يشير العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى الأفعال الضارة الموجهة ضد فرد أو مجموعة من الأفراد على أساس النوع الاجتماعي. يستخدم المصطلح أحيانًا أيضًا لوصف العنف الموجه ضد مجتمع الميم+، عند الإشارة إلى العنف المرتبط بمعايير الذكورة/الأنوثة و/أو معايير النوع الاجتماعي.
العنف ضد النساء والفتيات
يُعرَّف العنف ضد النساء والفتيات بأنه أي فعل من أفعال العنف القائم على النوع الاجتماعي يؤدي أو من شأنه أن يؤدي إلى أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو عقلية للنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأفعال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحيز العام أو الخاص. يشمل العنف ضد النساء والفتيات، على سبيل المثال لا الحصر، العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يحدث في الأسرة أو داخل المجتمع العام، والذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه.
الناجية من العنف
يشير مصطلح الناجية من العنف إلى أي شخص تعرض للعنف الجنسي أو العنف القائم على النوع الاجتماعي. إنه مشابه في المعنى لكلمة "ضحية"، لكنه يفضل بشكل عام لأنه يتضمن القدرة على الصمود.
العنف الجنسي
العنف الجنسي هو أي فعل جنسي يرتكب ضد إرادة شخص آخر، إما عندما لا يعطي هذا الشخص الموافقة أو عندما لا يمكن إعطاء الموافقة لأن الشخص طفل/ة، أو يعاني من إعاقة عقلية، أو في حالة سكر شديد أو فاقد/ة للوعي نتيجة الكحول أو المخدرات.
التحرش الجنسي
يشمل التحرش الجنسي الاتصال الجسدي غير الرضائي، والأشكال غير الجسدية، مثل التعليقات الجنسية عن جسد الشخص أو مظهره/ها.
الاغتصاب
المفهوم الأكثر تداولًا للاغتصاب هو فعل فرض اعتداء جنسي على الآخر رغمًا لإرادته، من خلال استعمال العنف أو القوة أو التهديد بالأذى أو أشكال أخرى للإجبار، أو في حال عجز الضحية عن الرفض بسبب تأثير الكحول أو المخدرات.
زواج الأطفال
يُعرَّف زواج الأطفال بأنه اقتران ﺷﺨﺼﲔ ﻳﻜوﻥ أحدهما ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞّ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨـﺔ ﻋـﺸرﺓ من عمره. وبما أن الطفل الذي يقلّ عمره عن 18 عاماً غير قادر على إعطاء موافقة صحيحة على الزواج، فإن زواج الأطفال يعتبر زواجاً قسرياً.
الجنسانية
يُستخدم مصطلح "الجنسانية" للكلام عن الطريقة التي يقوم بها الناس باختيار كونهم كائنات جنسية، وبالوسائل التي يعبرون فيها عن معاشهم لذلك الاختبار. يستخدم مصطلح الجنسانية في السياقات التي يجري فيها الحديث عن قضايا الجنسين بشكل عام كحقل اجتماعي أو معرفي، وكصفة في كل المسميات والعبارات التي يرد فيها هذا المفهوم.
يستخدم مصطلح النوع الاجتماعي في الكتابات التي تتناول الموضوع من زوايا اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو إحصائية.
اعتبارات أخلاقيّة
أوردَ صندوق الأمم المتحدة للسكان أبرز الإعتبارات الأخلاقية خلال إعداد تقارير حول العنف القائم على النوع الإجتماعي في دليل متخصص، وكيفية نقل قصة "ناجية" والسعي إلى عدم إلحاق الضرر، وهو المبدأ الأساسي في أخلاقيات الصحافة.
أولًا، واجب الإبلاغ: لا بدّ من التفكير بالمصلحة العامة في هذه المرحلة.
ثانيًا، الدقة: يجب أن يكون الحصول على الحقائق في صلب العمل الصحفي الأخلاقي وفي هذا النوع من التغطيات الحساسة لا بدّ من توخي الدقة ومحاولة عدم تغطية المداولات القضائية بحال لم يكن الصحفي ملمًا بالعملية القانونية.
ثالثًا، العدالة: يأتي مبدأ العدالة في مقدّمة الأخلاقيات الصحفية، حيثُ ينبغي أن يكون الصحفي منصفًا وعادلًا مع الأشخاص الذين يجري مقابلات معهم. وفي حال كان هؤلاء من الذين تعرّضوا للعنف الإجتماعي، على الصحفيين حماية المصادر المعرّضة للخطر. وهنا تبرز ضرورة "الموافقة المستنيرة"، أي أن يكون الشخص الذي يقابله الصحفي مدركًا بكل تفاصيل التقارير وعواقب نشره وظهوره في وسائل الإعلام، ولا بدّ من إبلاغهم بالمخاطر المحتملة.
رابعًا، الموضوعية: على الصحفي عدم الإنحياز أو إصدار الأحكام، وبالتالي عليه عدم ذكر التفاصيل التي يمكن أن تؤدي إلى إلقاء اللوم على الناجين من العنف أو التحرش أو الإعتداءات الجنسية.
خامسًا، احترام الخصوصيّة: من الضروري احترام خصوصية الناجيات من العنف وكذلك الأمر بالنسبة لعائلاتهم والانتباه الى ذكر تفاصيل يُمكن أن يجمعها القراء أو المتابعون ويكشفوا من خلالها هوية الناجية.
سادسًا، حماية المصادر وعدم إلحاق الضرر وتقييم المخاطر: على الصحفيين التأكد من حماية المصادر، وتشمل حمايتهم من أي شخص يقدّم مساعدة كالترجمة، وقيادة السيارة وغير ذلك.
سابعًا، عدم دفع مقابل مادي لإجراء المقابلة: ينسحب هذا الشرط الأخلاقي على جميع المقابلات مع الذين تعرّضوا لتحرّش جنسي أو اعتداء أو للعنف على أساس النوع الإجتماعي أو كانوا ضحايا أو لاجئين أو أطفال وغيرهم.
ثامنًا، إيلاء أولويّة للسلامة: لا بدّ من إيلاء أهميّة للسلامة وإعداد تقارير عن الإعتداء الجنسي والمشاكل المشابهة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والالتزام بحماية سلامة الناجيات.
تاسعًا، اللغة المستخدمة: أخلاقيًا، على الصحفي أن يختار كلمات مناسبة تراعي الموقف الذي وُضعت فيه الناجية، والسعي لعدم إعادتها الى دائرة الصدمة والتجربة المؤلمة.
عاشرًا، على الصحفي أن يتأكّد من أنّ الضحية التي أجريت معها المقابلة تعلم تمامًا أين سينشر المقال أو التقرير وأن تكون مستعدّة للكشف عن قصتها وليست مجبرة على ذلك.
حادي عشر، على الصحفي أن يعرف أنه لا توجد إجابات خاطئة، ولا بأس إذا كانت الضحية تريد التوقف لبعض الوقت أو البدء من جديد أو التوقف تمامًا.
وفيما يلي بعض العبارات التي يُفضّل استخدامها عند إعداد التقارير بحسب دليل الإبلاغ عن العنف ضد الفتيات والنساء:
يُفضّل استخدام "اعتداء جنسي أو (عند الإقتضاء) اغتصاب" وليس "علاقة جنسيّة"، "اغتُصبَت - دُفعَت لتسقط من النافذة (إذا كان الأمر كذلك)" ولا ينبغي استخدام "تعرّضت للإغتصاب - رمت بنفسها من النافذة". كذلك يوصي الدليل بكتابة "تقول إنّها تعرّضت للتحرّش أو تؤكّد أنّها تعرّضت للتحرّش" وليس "تعترف أو تقرّ بأنّها تعرّضت للتحرش" لأنّ الجملة الأخيرة قد تعطي انطباعًا بتحميل الضحية مسؤولية.
وبحسب الدليل، على الصحفيين كتابة "صرّحت بمثليتها الجنسية" وليس "اعترفت بمثليتها الجنسية"، واستخدام عبارة "الضحية المعلنة" وليس "الضحية المزعومة"، ويجب إسناد الإسم والفعل في الجملة إلى المعتدي لا أن يتم إسناده إلى الضحية/الناجية مثلًا "أجبر المعتدي الضحية على فعل هذا الأمر أو ذاك وفقًا للشرطة"، وليس "فعلت الضحية هذا الأمر رغمًا عنها". ويشير الدليل إلى أهمية استخدام عبارة "تحوّل جنسي" وليس "تغيير الجنس".
العناوين
عند تحرير القصة والإنتهاء من إعداد التقرير يجب أن يبتعد الصحفيون عن الإثارة كونهم ينشرون حالة إجتماعية، وعليهم طرح الأسئلة الأخلاقية التالية:
- هل يساهم هذا العنوان في تعزيز القوالب النمطية؟
- هل يتجنّب أي مصطلح يمكن أن يشكّل ضررًا؟
- هل يحترم العنوان ضحية الإعتداء الجنسي؟
- هل يتجنّب العنوان الإيذاء ويقدّم الضحية على أنها قادرة على الصمود؟
استخدام الصور
يشكّل استخدام الصور معضلة أخلاقية، لهذا يجب أن ينتبه الصحفي من أن يقوم بتصوير التفاصيل التي تكشف هويّة الفتاة التي تعرّضت لاعتداء جنسي أو الناجية من مشكلة مشابهة. لهذا يجب الحرص بشأن استخدام الصور ذات السطح المشوّش أو تسريع الصوت أو التصوير في الضوء لأنّ هذه التقنيات ليس آمنة دائمًا، وقد يكشف عن المصدر الذي تفرض أخلاقيات الصحافة حمايته والحفاظ على سريته. ولهذا يجب عدم تصوير أي قطعة أو غرض خاص بالناجيات كخاتم زواج أو زاوية واضحة في المنزل.
ولدى اختيار صورة المرافقة للمقال أو التقرير، يجب طرح أسئلة أخلاقية هي كالتالي:
- هل تحافظ الصورة على الفتاة التي تعرضت للإعتداء وتحفظ كرامتها وسلامتها؟
- هل تتجنب هذه الصورة الإثارة والوصم؟
- بحال كانت الصورة قاسية أو صادمة، فهل هي في خدمة المصلحة العامة؟
- هل تخدم الصورة الجانب الصادم للموضوع المثار وتوضح الفعل كانتهاك لحقوق الإنسان؟
- هل تساعد الصورة الجمهور على فهم الوضع أو الحالة بشكل أفضل؟
الصورة الرئيسية من تصميم يونس ملودي