في الحروب، عندما تمس الحرب طرفًا مقربًا من الصحفي، تزيد احتمالية التحيّز، وألا يكون هناك تغطية موضوعية للأحداث. فإلى أي مدى يستطيع الصحفي أن يكون حياديًا لا سيما إذا كانت القضية التي يقوم بتغطيتها تخصه وتخص بلده؟
تعتبر التغطية الصحفية للأحداث الحربية من أكثر المجالات التي تتطلب امتثالًا صارمًا للأخلاقيات الصحفية، ويجب على الصحفيين توفير تقارير دقيقة وموضوعية تعكس الأحداث الحاصلة في الميدان بكل وضوح، وفي الوقت نفسه، يجب عليهم الالتزام بمبادئ الإنسانية واحترام حقوق الأفراد المتضررين، ونقل الحقيقة والالتزام بأخلاقيات الصحافة.
في هذا السياق، وجّه الصحفي السوري عمر حاج قدور، المقيم في شمال غرب سوريا، والذي يغطّي الأحداث العسكرية أو الإنسانية أو الاجتماعية التي تدور في المنطقة، إرشادات للصحفيين في مناطق النزاع حول العالم، وأبرزها الالتزام بوسائل الحماية من ألبسة وأقنعة، خاصة في أماكن القصف والاشتباكات، كما يجب الحذر في أماكن النزاع لأنّ سلامة الصحفي تبقى أولوية، كي لا يصبح الصحفي الناقل للخبر هو الخبر.
عدم الانحياز
ويضيف عمر في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين: "يجب على الصحفي التزام الحياد لأن ذلك يحميه، وخاصة إذا كان في منطقة فيها عدة جهات تتعلق بالتيارات الفكرية وما إلى ذلك، لأنّ إبداء الرأي من الصحفي وانحيازه لجهة معينة على حساب جهات أخرى يمكن أن يؤدي لمشاكل كبيرة لديه، والالتزام بالحيادية في نقل الخبر هو أمر أساسي من أخلاقيات وأساسيات مهنة الصحفي في نقل الخبر، والحيادية لا تتنافى مع نقل الخبر أو الحدث كما هو، لأن الحقيقة لا بد أن تصل سواء للشعوب أو الحكومات أو المنظمات الدولية".
وأوضح عمر أن التعامل مع التيارات والمجموعات الموجودة على الأرض يجب أن يتم بحيادية، مشيرًا إلى أن الصحفي يستطيع فعل ذلك طالما أنه لا يهاجم أي جهة وينقل الخبر كما هو، "هذا الأمر ضروري لحماية الصحفي الذي يجب أن يكون حذرًا خلال التعامل مع المجموعات المسلحة بشكل عام في مناطق النزاع".
التجرد والحيادية
من جهته، رأى الصحفي السوري فؤاد بصبوص أنّه على الصحفي وضع جميع الآراء أمامه، مشيرًا إلى مثال قريب الآن في حرب غزة حيث قال: "تعلمنا الحيادية من المؤسسات التي درسنا فيها، إلا أن بعض هذه المؤسسات اليوم لا تلتزم الحيادية في حرب غزة ولا تُطبّق الأخلاقيات التي تعلمناها، وما يحدث يعطينا فرصة لننتقد أنه من الممكن أن يكون هناك تضليل كبير في العمل الإعلامي عند عدم الالتزام بالأخلاقيات الصحفية للتغطية الحربية".
ويقدم بصبوص العديد من النصائح للصحفيين أثناء تغطيتهم:
· الاحتراس من المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.
· تعلم التمييز بين المصطلحات الحربية مثل الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب.
· التشكيك سمة أساسية من سمات الصحفي ولا يجب عند نقل خبر القصف مثلًا اتهام جهة معينة به قبل التأكد من ذلك.
· عدم استعمال كلمات مثل إرهابي وخائن وعميل.
· تكوين شبكة علاقات واسعة توفر الحلول عند وقوع المشاكل.
· ارتداء السترة الواقية التي تميز الصحفي في أماكن تواجده.
· عدم حمل السلاح.
· حماية مصادر الصحفي وخاصة في حالات الحرب.
· المعرفة الكاملة بجغرافية المنطقة التي يقوم الصحفي بتغطيته فيها.
· المعرفة بثقافة المجتمع الذي يتوجه إليه أثناء تغطيته.
· عدم الانجرار وراء السبق الصحفي والتأكد من الخبر قبل نشره.
بين طرفي النزاع
كما أشار سليمان عنجاري وهو صحفي ومخرج أفلام وثائقية إلى أنّ الصحفي لا يمكن أن يكون مع أحد أطراف النزاع، وإنما هو بين طرفي النزاع، "لأنه إذا كان يحتمي بأحد طرفي النزاع فسيكون منحازًا لأحدهما مقابل الآخر، والانحياز ليس صحيحًا".
وأوضح عنجاري عدة نقاط ونصائح للصحفيين:
· يجب ألا يكون في تغطية الصحفي حض على الصراع.
· يجب ألا يكون هناك خطاب كراهية وتأجيج على العنف والصراع.
· استخدام مصطلحات محايدة في وصف أطراف النزاع.
· يجب أن يكون هناك مطالبات أخلاقية يقوم بإظهارها وإبرازها في مادته الصحفية.
· عدم استخدام صور الأطفال لكسب تعاطف الجمهور والعالم الخارجي، فبحال أظهرت الطفل أنه خائف، عندما يكبر يمكن أن يتأثر هو وأولاده بحال بقيت الصور موجودة.
· قد يكون هناك مشاهد عامة وليس تسليط الضوء على طفل بملامحه وتصرفاته.
· يجب تغطية الأوضاع الإنسانية بشكل عام، ومعالجة الحالات الخاصة بطريقة مهنية وأخلاقية.
وفي تقرير لشبكة الصحافة الأخلاقية EJN، بعنوان الأخلاق والسلامة والتضامن في الصحافة، أفادت الشبكة أن الذهاب إلى منطقة الحرب يتطلب من الصحفيين أن يتخذوا منذ البداية خياراً أخلاقياً واضحاً حول الكيفية التي يعتزمون بها القيام بعملهم. وأشار التقرير إلى أنه من المؤسف أن العديد من الصحفيين يتوجهون إلى الحرب وهم غير مستعدين لمواجهة هذا التحدي، والعديد منهم لديهم القليل من التدريب على البيئة المعادية أو لا يحصلون على أي تدريب على الإطلاق، وفي كثير من الأحيان لا يكونون على دراية بالظروف التي يمكن أن يتوقعوها.
مراجع يمكن للصحفي الاستفادة منها للتغطية الحربية:
مدونة الأخلاقيات الخاصة بجمعية الصحفيين المحترفين.
مجموعة أدوات السلامة، من لجنة حماية الصحفيين.
مجموعة أدوات السلامة للصحفيين المستقلين، من صندوق روري بيك.
موارد السلامة الجسدية، من منظمة مراسلون بلا حدود.
إدارة الصحة العاطفية والعقلية في الميدان، من منظمة مراسلون بلا حدود.
دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب، من الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية.
دليل الصحفيين حول كيفية توثيق الجرائم الدولية، من مركز القانون والديمقراطية.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Антон Дмитриев.