المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون في الأنظمة الاستبدادية

byسيف عليDec 18, 2023 in السلامة الرقمية والجسدية
صورة

تلعب الصحافة دورًا مهمًا وحيويًا في المجتمعات الديمقراطية وتعدّ جهة رقابية لأداء الحكومات وكشف الفساد، وفي وقت ينبغي أن تكون فيه حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، حقًا من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الفرد، وفق الأطر القانونية. تسعى السلطات في الدول الاستبدادية للسيطرة على جميع الجوانب الحياتية، حيث يواجه الصحفيون شتى أنواع المضايقات والضغوطات التي تحد من عملهم، الأمر الذي أدى إلى قمع العديد من الأصوات الإعلامية.

أنواع المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون في الأنظمة الاستبدادية

تتنوع الضغوط التي يتعرض لها الصحفيون وفقًا لقوانين السلطة الحاكمة، ولكن من الشائع ما يلي:

ـ الاعتقال: يعد شكلًا من أشكال المضايقات التي تقوم بها السلطات الاستبدادية، وهو منتشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ وفقًا للجنة حماية الصحفيين الدولية، تعرض ما لا يقل عن 33 صحفيًا للاعتقال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في عام 2022.

ـ المحاكمات الجائرة: في أغلب الأحيان، تتهم السلطات في الأنظمة الاستبدادية، الصحفيين، بالتخابر والإرهاب أو التجسس. فبحسب منظمة العفو الدولية، هناك ما لا يقل عن 100 صحفي، واجهوا تهمًا جنائية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في السنوات القليلة الماضية.

ـ المضايقات: تسعى الأنظمة الاستبدادية لتضييق عمل الصحفي، حيث تنوعت المضايقات ما بين التهديدات والاعتقالات والقتل والاعتداء الجسدي والابتزاز المالي، وفي تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود، تعرض أكثر من 40 صحفيًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى المضايقات والاعتداء، في عام 2022، كما سجلت المنظمة رقمًا قياسيًا للانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيين عبر العالم، حيث بلغ عدد المحتجزين في أوساط الفاعلين الإعلاميين 533 خلال عام 2022، بينما قُتل 57 صحفياً في مختلف أنحاء العالم، كما وثَّقت المنظمة ما لا يقل عن 65 رهينة و49 من الصحفيين المسجلين في عداد المفقودين. من جهتها، وثّقت لجنة حماية الصحفيين مقتل 57 صحفيًا فلسطينيًا و3 صحفيين لبنانيين منذ أكتوبر وحتى 17 ديسمبر 2023.

ـ المنع من التغطية: تفرض السلطات الاستبدادية قيودًا على حرية الصحافة، كما تمنع الصحفيين من تغطية الأحداث المهمة والحساسة، ووفقًا لتقرير نشره مركز الخليج لحقوق الإنسان، فإنّ 82% من الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشعرون بمستوى كبير من الخطر في عملهم.

الأنظمة الاستبدادية وأثرها على العمل الصحفي

هناك آثار سلبية على الصحفيين نتيجة التأثيرات من قبل السلطات الدكتاتورية والاستبدادية، منها:

ـ تقييد الوصول إلى المعلومات: للجمهور والرأي العام حق في معرفة الحقيقة، وإيضاح الصورة، بينما تسعى الأنظمة الاستبدادية لجعل الصورة ضبابية أمام الصحفي المطالب بالحقيقة لكي يوضحها للناس، وهذه من المعوقات الكبيرة التي يتعرض لها الصحفيون.

ـ تقويض الديمقراطية: مع ازدياد القمع لحرية الصحافة، يشعر الصحفيون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بخطر، حيث يمنعهم هذا التقويض، من ممارسة حرياتهم، في التعبير عن الرأي. وفي سياق متصل، أشارت منظمة اليونسكو، في تقرير يخص حرية التعبير، للعام 2022 و2021، إلى مقتل 86 صحفيا العام الماضي، بمعدل صحفي واحد كل أربعة أيام، كما ارتفع معدل قتل الصحفيين بنسبة 50 في المئة عام .2022

ـ تشجيع الإفلات من العقاب: تزداد الانتهاكات والجرائم ضد الصحفيين، بظل غياب إنهاء الإفلات من العقاب، الأمر الذي يشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم، وفي تقرير نشره مركز الخليج لحقوق الانسان، فإنّ الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يواجهون الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم المدنية والإنسانية، ومن ضمنها القتل من قبل الحكومات أو المجموعات المسلحة، مع الإفلات التام من العقاب، وتعدّ بعض الدول العربية من أخطر الأماكن للصحفيين، حيث احتلت أربع دول عربية، من بينها الصومال وسوريا والعراق وجنوب السودان، المرتبة الرابعة في تصنيف لجنة حماية الصحفيين العالمي، لمؤشر الإفلات من العقاب لعام 2022.

 دراسة حالة 

ـ شيرين أبو عاقلة: يعدّ مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، البالغة من العمر 51 عامًا، من إحدى أكثر الحالات المؤسفة لتأثير الاستبداد على الصحفيين، حيث قُتلت أبو عاقلة برصاصة في الرأس أثناء تغطيتها لعمليات عسكرية إسرائيلية في جنين، فلسطين، يوم 11 أيار 2022. بحسب تقرير نشرته قناة الجزيرة، كان مقتل أبو عاقلة بمثابة صدمة للعالم، وسلط الضوء على المخاطر التي يواجهها الصحفيون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد أدانت العديد من المنظمات الدولية مقتل أبو عاقلة، وطالبت إسرائيل بإجراء تحقيق مستقل.

ـ أحمد عبد الصمد: صحفي عراقي من محافظة البصرة جنوب العراق، عمل كمراسل تلفزيوني للعديد من القنوات المحلية والعالمية، تم اغتياله برصاص استقر في رأسه وصدره، من قبل مسلحين مجهولين يستقلون دراجة نارية، برفقة زميله المصور صفاء غالي، الذي أصيب هو الآخر بثلاث رصاصات، وفقد حياته بعد ساعة واحدة من نقله إلى مستشفى البصرة. وقد استُهدف الصحفيان أثناء عودتهما من تغطية احتجاجات تشرين في العراق، التي انطلقت عام 2019.

قبل مقتله، قام أحمد ببث مقطع مصور على حسابه الخاص عقب حملة اعتقالات عشوائية تعرّض لها المتظاهرون. وقد أصدرت محكمة جنايات البصرة في العراق، الأول من نوفمبر 2021، حكمًا بالإعدام شنقًا حتى الموت، بحق المتهم بقتل أحمد عبد الصمد وصفاء غالي، ولكن لغاية اللحظة لم ينفذ حكم الإعدام. 

ـ سمير قصير: قتل الصحفي اللبناني سمير قصير بانفجار سيارة مفخخة استهدفته في بيروت، في يونيو/حزيران عام 2005، بعد بضعة أيام من الانتخابات العامة في لبنان. في عام 2006 أنشأ الاتحاد الأوروبي، جائزة لحرية الصحافة تحمل اسمه. وفي العام نفسه، تمّ إنشاء مؤسسة سمير قصير، وهي مؤسسة غير ربحية، تهدف لنشر ثقافة الديمقراطية في لبنان والعالم العربي أجمع، إضافة الى دعمها المواهب الشابة. 

ـ أديب الجناني: صحفي يمني لقي مصرعه مع العديد من المدنيين، الذين قتلوا في الاعتداء على مطار عدن في اليمن، في 30 كانون الأول/ديسمبر عام 2020، كان أديب الجناني مراسلاً لقناة "بلقيس" الفضائية اليمنية، ولقي حتفه بعد سقوط الصواريخ على مطار عدن، والذي تضمن عدة انفجارات، راح ضحيتها العديد من المواطنين.

ـ ميادة شرف: صحفية مصرية تعمل لصالح جريدة الدستور، في القاهرة بمصر، قُتلت في 24 مارس/آذار عام 2014 أثناء تغطيتها للاشتباكات في منطقة عين شمس، برصاص في الرأس من قناص مجهول. بعدها صدر تقرير عن جريدة الدستور، التي كانت تعمل ميادة لصالحها كما أصدرت محكمة جنايات القاهرة، حكمًا بالحبس لمدة ثلاثة سنوات، للمتهم بقضية مقتل ميادة.

ـ جمال خاشقجي: شكَّل اغتيال الصحفي وكاتب مقالات الرأي في جريدة واشنطن بوست، جمال خاشقجي، عام 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول صدمة مدوية هزت أصداؤها العالم، وبعد مضي خمس سنوات، لم يُحاسَب حتى الآن أي من الجناة على ارتكاب هذه الجريمة، بحسب "مراسلون بلا حدود". وفي تقرير نشرته منظمة العفو الدولية، في 29 أيلول عام 2022، قالت فيه إنّ الطريق إلى تحقيق العدالة عن مقتله مسدود تمامًا، ولم يتم بعد إجراء تحقيق جنائي مستقل ومحايد في الدور الذي لعبه مسؤولون كبار.

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالأرقام

ـ أصدرت منظمة "مراسلون بلا حدود"، المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي لعام 2023، ويقيم المؤشر حالة حرية الصحافة في 180 دولة ومنطقة سنوياً، وبناءً على نتائج المؤشر صنفت 31 دولة ضمن فئة "خطير جدًا" و"صعب" في 42 دولة، "إشكالي" في 55 دولة، في إشارة إلى أنّ بيئة الصحافة "سيئة" في 7 دول من أصل عشر، حيث ما تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أكثر مناطق العالم خطورة بالنسبة للصحفيين، مع وضع تصنيف "سيئ جدًا" في أكثر من نصف دولها، وتعود الدرجة المنخفضة للغاية لبعض الدول، بما في ذلك سوريا (المرتبة 175) واليمن (المرتبة 168) والعراق (المرتبة 167)، حيث لا توجد دولة في المنطقة تسجل درجة "مرضية".

ـ عدد المسجونين من الصحفيين، سجل عدد الصحفيين السجناء في جميع أنحاء العالم مستوى قياسياً جديداً في عام 2022. ففي سنة اتسمت بالنزاعات والقمع، ضاعف المسؤولون المستبدون تجريمهم للتغطية الإخبارية المستقلة، واستخدموا قسوة متزايدة لكبح الأصوات المعارِضة وتقويض حرية الصحافة.

انتهاكات مستمرة

وسط كل التقارير الدولية والأممية والمطالبات بتوفير الحماية الكافية للصحفيين، إلا أنّ هناك صحفيين يتعرضون للانتهاكات لغاية الآن، ومنهم عبير محسن، وهي صحفية يمنية تعمل في مجال الصحافة بشكل حر منذ العام 2017، في عدد من المواقع والمؤسسات العربيّة، منها موقع درج ومؤسسة الأرشيف اليمني.

غادرت عبير بلدها الأم اليمن باتجاه العاصمة اللبنانية بيروت، بسبب مزاولتها العمل الصحفي وتوثيقها جرائم حقوق الإنسان، أثناء الحروب التي حدثت في اليمن بين عدة أطراف نزاع، منها جماعات مسلحة، وأحزاب سياسية.

تقول عبير لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إنها "كانت قد تعرضت لتهديدات الكترونية وأخرى مباشرة، كما تعرضت لمحاولات تشويه سمعة وتنمّر، واتهامات بالإلحاد، لأنها كانت تدعم المرأة، وتعد تقارير حول الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في اليمن، ومن أبرز الأسباب التي دفعتها لمغادرة بلدها واللجوء إلى بلد آخر، كان الخوف والمخاطر لا سيما وأنها كانت تكتب ضد أطراف معينة، تمارس سياسة تكميم الأفواه، إلى أن اندرجت ضمن القائمة السوداء للصحفيين".

وقد تعاملت عبير مع الضغوط والتحديات، عبر اللجوء الى طبيب نفسي، واتخاذها قرار السفر، لأجل الاستمرار بمزاولة عملها، وعدم التأثير على صحتها الجسدية والنفسية، وتشير عبير إلى أنّ "الرسالة التي نستمر من أجلها في عملنا الصحفي هي المهنية والحياد، مهما كانت الظروف، وينبغي الاتحاد والعمل يدًا واحدة كصحفيين، بغض النظر عن الجنس واللون والدين والمذهب"، مضيفةً: "يجب أن نتعامل بإنسانية، لننتصر على كل التحديات".

وتطالب عبير في الوقت ذاته، المجتمع الدولي بتفعيل قانون حقيقي، يجرم الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في كل العالم، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص.  

حلول مقترحة للتخفيف من تأثير الأنظمة الاستبدادية على الصحفيين

1ـ تعزيز الوعي العام بأهمية حرية الصحافة وحقوق الإنسان.

2ـ العمل على تعزيز الديمقراطية وتحقيق العدالة.

3ـ تعزيز الحماية القانونية للصحفيين.

4ـ توفير بيئة آمنة للصحفيين لممارسة عملهم.

إنّ الصحافة هي عنصر مهم في أي مجتمع ديمقراطي، كما لابد من توفير حق حرية الصحافة، كونه واحدًا من الحقوق اللازمة للصحفيين، ومع ذلك، في الدول الاستبدادية، يتعرض الصحفيون لضغوط ومضايقات شديدة من أجل قمع أصواتهم. هذه الممارسات لها آثار سلبية عديدة على المجتمع، منها عدم وصول المعلومات للجمهور بشكل كافٍ، وهذا يعتبر عائقًا للصحفيين، يقيد حريتهم في تغطية الأحداث ونقل الحقائق.