على طريقة "بريجيت ألفتير".. كيف تعبر الحدود بقصة صحفية؟

byأحمد شوقي العطارApr 28, 2022 in الصحافة التعاونية
صورة

عندما تعبر السياسة والجريمة والأموال المشبوهة الحدود، يتعين على الصحافة أن تعبر معهم، لتقوم بدورها في التقصي والرقابة. من هنا ظهرت الصحافة العابرة للحدود، التي يمكن تعريفها بأنها تعاون وثيق بين فريق من الصحفيين من دول مختلفة، للبحث في موضوع أو قصة مشتركة، وجمع وتبادل الفحص، ودمج النتائج، والتحقق منها، من أجل إبلاغها للجماهير المستهدفة بشكل فردي على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو المحلي.

على ضوء كتاب "الصحافة التعاونية عبر الحدود: دليل خطوة بخطوة" لـبريجيت ألفتير، مديرة Arena for Journalism in Europe، نشرح طريقة إنتاج قصة عابرة للحدود.

الخطوة الأولى: الربط الشبكي

قبل أن تبدأ، عليك أن تعي جيدًا مستويات كثافة الربط الشبكي، لتختار المستوى المناسب لك أو لقصتك، والذي يمنحك أقصى قدر من المعلومات بأقل جهد، وفي أقل وقت:

1- الشبكة الفضفاضة: هي شبكة لا تلزم عناصرها بالتعاون الوثيق. مفيدة للصحفيين من دول مختلفة، والذين يعملون في مجالات اهتمام مماثلة، مثل البيئة والتجارة والتمويل وما إلى ذلك. حيث تعمل عناصرها كعيون وآذان لبعضها البعض في البلدان التي تربطها روابط مختلفة، مثل اللغة أو العرق أو الاقتصاد. هذا النوع ضروري لتبادل تغطيات الأخبار اليومية والتقارير، بين دول المنطقة العربية والاتحاد الأوروبي.

2. المساعدة لمرة واحدة: مجرد طلب فردي من صحفي لصحفي آخر في اتجاه واحد، لتقديم خدمة صغيرة في بلد آخر، مثل ترجمة قصيرة أو تقديم معلومة حصرية، أو التحقق من اقتباس أو صورة أو لقطة أو وثيقة. لا تتوقع الحصول على أكثر من ذلك في هذا المستوى من التواصل.

3. التعاون المحدود: في هذا النوع تعتبر المعلومات التي يتعين تبادلها أو المهام المشتركة، محدودة ومحددة بوضوح. تغيير المعلومات هنا مستحيل أو غير محتمل، وبالتالي فإن مستوى الثقة المطلوب بين أعضاء الشبكة، لا يتطلب أكثر من الثقة في الكفاءة والنزاهة المعتادة.

4. التعاون الوثيق: هو أشبه بفريق بحث داخل غرفة أخبار واحدة. وهو اتحاد ملزم، تتقاسم عن طريقه مجموعة متنوعة من الصحفيين قدرًا من المعلومات، ويعمل مع مستوى عال من الثقة المتبادلة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمصادر حساسة.

انتبه: الربط الشبكي يحتاج بعض الصبر، لأنه يستغرق وقتا طويلا، وخاصة عندما تتعاون عبر الحدود مع صحفيين من ثقافات مختلفة ويتحدثون لغات أخرى. ويحتاج أيضا للتخلص من النزعة التنافسية، لأنها أبرز عقبة تعترض التعاون عبر الحدود. 

الخطوة الثانية: الفكرة أو القصة

من الممكن العثور على أفكار قصص مناسبة للعمل التعاوني عبر الحدود، عن طريق أربعة روافد:

1-  الأخبار اليومية: قد تجد الكثير من القصص المحتملة عبر الحدود في الأخبار العاجلة والسريعة والحوادث ذات الارتباط الدولي. ابحث عن قصة ذات صلة بجمهورك، وحدد زواياها بعناية.

2. قصص المنظمات: ابحث عن القصص التي تتعلق بكيانات مثل جامعة الدول العربية، الاتحاد الأوروبي، منظمة التجارة العالمية. أو أي منظمة تكون قراراتها ذات صلة بمجموعة متصلة من البلدان. فتش في البيانات، محاضر الجلسات، الاتفاقيات وتأثيرها، الأزمات العابرة للحدود داخل كل منظمة، سوف تعثر بالتأكيد على أفكار رائعة.

3. قصص السلسلة: المقصود هنا نوعية القصص المتعلقة بالاتجار بالسلع أو البشر أو الإثنين معاً، بين بلدين أو أكثر.

هذا النوع من القصص يتطلب معرفة جيدة باللغات والمصادر في جميع البلدان المعنية بالقصة.

4. قصص المقارنة: تتعلق بوقائع أو ظواهر- غير مترابطة بالضرورة- في عدة بلدان. على سبيل المثال، قصة تدور حول المناهج التعليمية في بلد عربي ما، ومقارنتها بباقي المناهج في دول عربية آخرى.

انتبه: بعض المواضيع عابرة للحدود بطبيعتها مثل الهجرة غير الشرعية، عمليات التهريب الحدودية، التهرب الضريبي، غسيل الأموال والتجارة الدولية. 

الخطوة الثالثة: فريق البحث

يمكن الاستعانة بشبكة Hostwater لتشكيل فريق العمل العابر للحدود من البلدان ذات الصلة بالقصة. الشبكة مصممة بالأساس لمساعدة الصحفيين للعثور على زملاء ذوي اهتمامات بحثية مماثلة في جميع أنحاء العالم. 

كما يمكن مخاطبة مؤسسات مهنية دولية مثل الاتحاد الدولي للمحققين الدوليين، الاتحاد الدولي للصحفيين، مراسلين بلا حدود، وطلب المساعدة منهم للوصول إلى زملاء عمل مناسبين.

 عند تجميع فريق عمل لقصة ما لا بد من مراعاة الآتي:

  • التنوع بين أعضاء الفريق فيما يخص الاختصاصات. 
  • توافر المهارات اللغوية المطلوبة.
  • اختيار عناصر لديها اتصالات قوية مع المصادر المتطورة.
  • اختيار من لديهم رؤية ثاقبة أو خبرة طويلة في موضوع محدد ذو صلة بالقصة، مثل من لديهم القدرة على استغلال قوانين حرية المعلومات للحصول على الوثائق، أو خبرة في صحافة البيانات، أو خبرة في تغطية الجريمة المنظمة، إلخ.

انتبه: يجب أن يكون للأعضاء مصلحة واضحة في المشاركة في البحث. وكذلك الاتفاق حول الأسلوب وأخلاقيات العمل الصحفي وما إلى ذلك، فهي أمور تختلف من صحفي لآخر، ومن بلد لآخر. ولا بد أيضا من توافر الثقة والتناغم بين أعضاء الفريق.

الخطوة الرابعة: خطة العمل

كنقطة انطلاق، نضع خطة العمل والبحث في اجتماع عام، يحضره جميع عناصر الفريق، ويفضل أن يلتقوا وجها لوجه، وفي موقع يسهل على الجميع الوصول إليه. لكن إن تعذر ذلك يمكن استخدام تطبيق لمؤتمرات الفيديو مثل Zoom.

يتعين الاتفاق خلال الاجتماع الأول على ما يلي:

  • اختيار عضو واحد من أعضاء الفريق كمنسق عام. وتفويض عضو آخر بمهمة جمع الأموال لتغطية تكاليف العمل، مثل مصروفات كل عضو أثناء عملية البحث، تكاليف السفر، الترجمة، وما إلى ذلك. 
  • تحديد أدوات الاتصال التي سوف يستخدمها أعضاء الفريق للتواصل مع بعضهم البعض، على أن تتضمن مستوى من الأمن يتناسب مع موضوع البحث.
  • الاتفاق على أرضية مشتركة فيما يتعلق بالأساليب الصحفية المستخدمة خلال عملية البحث.

يجب أن تتضمن خطة البحث الآتي:

  • جدول زمني، ومواعيد نهائية، وخارطة طريق تؤدي في النهاية إلى تاريخ متوقع للنشر يتفق عليه الجميع.
  • تقسيم واضح للمهام والأدوار داخل الفريق، مثل تفويض أحدهم بالإبلاغ وآخر بالتحرير، إلخ. 

انتبه: يجب الاتفاق على مصادر تمويل مقبولة لجميع أعضاء الفريق، مع مراعاة عدم المساس بالاستقلالية والمصداقية في أي من البلدان التي سوف تنشر فيها القصة.

الخطوة الخامسة: البحث

خلال مرحلة البحث، من المرجح أن تظهر بعض الاختلافات أو الخلافات المتعلقة بـطرق التواصل أو الممارسات الصحفية أو الجوانب الأخلاقية. قد تؤدي هذه الاختلافات إلى مناقشات ساخنة أو خلافات داخل المجموعة، إلا أنها قد توفر أيضاً مفاتيح تفاهم أعمق. 

في كل الأحوال، من المهم إتاحة الوقت للمناقشة داخل المجموعة لمعالجة مثل هذه الاختلافات، ودعم سبل التعاون.

  •  هل الكاميرا الخفية يمكن استخدامها من البداية كأداة مفضلة، أم هي الملاذ الأخير للوصول إلى المعلومات؟ البعض لديه تحفظات أمنية على استخدامها، والبعض الآخر لديه تحفظات أخلاقية.
  • كيف يتم التعامل مع مشكلات الخصوصية؟ التعامل مع الخصوصية تتفاوت درجاته ومحاذيره من بلد لآخر ومن صحيفة لأخرى.
  • هل هناك تقاليد وأساليب مختلفة للتحقق من المعلومات أو الروايات؟ كل مؤسسة صحفية لديها طرق ومعايير خاصة بالتحقق من صدقية المعلومات والروايات المذكورة في القصة، لذا لابد الوصول إلى معايير مشتركة ومناسبة للجميع.

على الجانب الآخر، من المرجح أن تظهر بجوار الخلافات، إمكانيات الفريق الإبداعية، والتي يجب أن تستغل جيدا لخلق حالة تكاملية تؤدي في النهاية لقصة رائعة.

  • قد تحكي المصادر من البلدان المختلفة قصصاً متنوعة بلغات وتقاليد مختلفة، وبالتالي تكمل بعضها البعض. 
  • قد يكون من الصعب الوصول إلى وثائق أو بيانات في بلد ما، بينما الوصول إليها سهلا في بلد آخر. هذا أيضا يدعم تكامل المجموعة. 

انتبه: كن مستعدًا لمواجهة وجهات نظر مختلفة حول الممارسات الصحفية والأسئلة الأخلاقية، إلخ. احترام التنوع هو جزء من طريقة عمل الصحافة العابرة للحدود. حاول إيجاد أرضية مشتركة بدلاً من التعامل مع مثل هذه الاختلافات كمشكلة.

الخطوة السادسة: الكتابة والنشر 

لا بد من مراعاة هذه النقاط الخمس أثناء الكتابة وقبل النشر:

1. تنسيق تاريخ النشر وأشكاله: يمثل النشر في نفس التوقيت في مجموعة الدول المعنية، قوة مشتركة ومضاعفة للقصة، وهي من أهم ما يميز الصحافة عبر الحدود، حيث يتحدث الجميع عن القصة، ويتسع نطاق انتشارها في الصحف والقنوات وفي كل مكان.

2. كتابة القصة: كل عضو في فريق العمل عليه أن يكتب القصة بالشكل المناسب لأولويات الوضع في بلده، وجمهوره المستهدف. ولا يجب إلزام أعضاء الفريق بكتابة واحدة أو بسياق عالمي. في تحقيق عن الإتجار بالبشر مثلا، ستختلف بالتأكيد زاوية السرد في البلد المصدر للأزمة عنها في البلد المستورد.

3- دراسة الجمهور المستهدف: يجب إجراء بحث دقيق قبل الكتابة والنشر عن طبيعة الجمهور المستهدف والخطاب الوطني في البلدان المعنية، وضبط سرد ومقدمة وزاوية القصة الرئيسة مع طبيعة كل خطاب أو جمهور مستهدف.

مثلا، بعض العبارات قد تمر بسلام في بلد ما، وفي بلد آخر تعتبر خادشه للحياء.

4. التحقق من المعلومات: هي مهمة إلزامية يضطلع بها الفريق بأكمله، وتستهدف التحقق بدقة من صدقية كل معلومة أو رواية منشورة في أي نسخة من نسخ القصة.

5. التحقق القانوني: الاعتبارات القانونية مسألة تتعلق بالفريق ككل، وبالأعضاء منفردين، وبالناشرين أيضا.

لا بد هنا من أخذ تشريعات البلدان المعنية في الاعتبار. ومراجعة التشريعات الخاصة بالقذف والتشهير وبعض التشريعات الأخرى المتعلقة بالنشر، لأن هذه الأمور تختلف من بلد لآخر.

انتبه: لا تنس متابعة ردود الفعل على القصة بعد النشر في البلدان المعنية. ثم نقل خبراتك في إنتاج قصة عابرة للحدود إلى الآخرين. قد يساعدك ذلك في التعرف على زملاء جدد في بلدان مختلفة، ما يعني المزيد من الأفكار والقصص والتعاون عبر الحدود.

الصورة الرئيسية تحمل رخصة المشاع الابداع