مبادرات عربية إعلامية وفنية تواجه خطاب الكراهية

بواسطةأصيل ساريةApr 9, 2024 في موضوعات متخصصة
صورة

أنتجت شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة الموارد حول خطاب الكراهية بدعم من معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.

في فضاء عربي واسع يعيش فيه أكثر من 465 مليون إنسان وفقًا لبيانات نشرها البنك الدولي في العام 2022 جمعتهم وحدة الجغرافيا واللغة وبنسبة كبيرة الدين، إلا أنّ هذه الجغرافيا تشهد انقسامات كبيرة مناطقية وطائفية تغذيها الصراعات مستمرة منذ عشرات السنوات، وظلّ الانقسام تحت الرماد ينتظر من يبدأ بالضربة الأولى لينفجر في وجوههم.

ومع انطلاق ثورات الربيع العربي التي بدأت بتونس في العام 2011، واستمرت لتصل تأثيراتها إلى بلد تلو الآخر، شهدت أغلب تلك البلدان صراعات مسلحة ومستمرة يغذيها خطاب كراهية وتحريض من أطراف تلك الصراعات التي استغلت تطور وسائل التواصل الاجتماعي ووصولها إلى الجميع وتراجع دور الإعلام التقليدي.

ومع ذلك المشروع الذي أدى إلى مزيد من الانقسامات داخل تلك المجتمعات والذي وصل إلى الأسر الواحدة، كان لا بد من محاولات إعلامية في بلدان عدة لمواجهة ما يمكن مواجهته من كراهية وتحريض، وإن كانت تلك المشاريع لا تمتلك الدعم الكافي الذي تمتلكه مشاريع التحريض، إلا أنها محاولات تسعى للحد منه، تنجح هنا وتفشل هناك، وتواجه تحديات عدة تتجاوزها، وتقف عند بعضها. 

دكة من اليمن

منذ العام 2015 تشهد اليمن حرباً تهدأ تارة وتعود تارة أخرى، تغذيها أطراف عدة محلية وإقليمية ودولية، ويمتلك كل طرف من تلك الأطراف وسائله الإعلامية الخاصة به التقليدية منها والإلكترونية التي تضخ خطابًا ينسجم مع توجه تلك الأطراف تجاه الأطراف الأخرى بصيغة الهجوم المباشر والتخوين والتكفير، وأدى ذلك الخطاب إلى كثير من الانعكاسات السلبية في المجتمع اليمني الذي شهد أحداثاً متلاحقة اجتماعيًا سقط ضحيتها كثيرون، وهم في الأساس ضحايا ذلك الخطاب.

وكان لا بد من وجود خطاب إيجابي مضاد لذلك الخطاب السلبي يتجه إلى تعزيز ثقافة السلام وتهيئة الأجواء لها، لذلك انطلقت مبادرة "دكة" لمواجهة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة الحوار والسلامة في المجتمع اليمني، وهي مبادرة أطلقتها مجموعة من الصحفيين اليمنيين المستقلين كجزء من مشاريع المركز اليمني لدعم الإعلام في العام 2020. ويقول هشام المخلافي مدير التحرير في "دكة" إنها حكاية إعلامية تُنسج خيوطها من صميم الهمّ اليمني، تُعبّر عن نبض الشارع، وتُشارك في صنع مستقبل أكثر إشراقاً وتواجه بجرأةٍ الخطابات السلبية والمتطرفة التي تُهدد النسيج الاجتماعي اليمني، وتُروّج لثقافة التسامح والسلام، وتُشجّع على الحوار البنّاء والتفاهم بين مختلف شرائح المجتمع.

و"دكة" تعني الرصيف الجانبي للمنازل والمحلات التجارية الذي يجلس عليه الجميع بدون تمييز لكي يستريحوا، ومن هنا انطلقت فكرة الاسم. يقول المخلافي إنّ "دكة عملت منذ انطلاقتها على كثير من المبادرات التي عجزت عنها المؤسسات الكبرى حيث إنَّه في العام 2021 استطاعت أن توقع على وثيقة لنبذ خطاب الكراهية بين مجموعة من الصحفيين والمنصات في مدينة عدن جنوب اليمن وتنص هذه الوثيقة على أن يلتزم كل من وقع عليها بتجنب خطاب الكراهية على المستوى الشخصي، وعلى مستوى المنصات". ويؤكد المخلافي أنّ فريق الدكة يراقب من وقت إلى آخر ما ينشره الموقعون على الوثيقة للتأكد من التزامهم بما وقعوا عليه.

"تقدم دكة خطابًا إعلاميًا بديلًا يعيد للمجتمع اليمني توحده وتماسكه، ويسهم في بناء الثقة والحوار والتفاهم بين مختلف شرائحه"، بهذه العبارة أشاد موقع الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF على موقعه بالدور الذي تلعبه المنصة في المساهمة بتوجيه رسالة الإعلام في اليمن نحو السلام.

واتجهت "دكة" لمحاربة خطاب الكراهية والتحريض في اتجاهين: الاتجاه الأول هو تدريب مجموعات كبيرة من الصحفيين على صحافة السلام وتجنب صحافة العنف والنزاع، حيث دربت أكثر من 100 صحفي منذ انطلاقتها وبجهود ذاتية كما يقول المخلافي، وساهم هؤلاء الصحفيون الذين تم تدريبهم بإنتاج أكثر من 60 مادة صحفية تحت إطار صحافة السلام، أما الاتجاه الآخر فهو تعريف المجتمع ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بخطاب الكراهية وتعريف خطاب الكراهية وآثاره المباشرة على الفرد والمجتمع على المدى البعيد والقريب عبر إنتاج مجموعة من البوسترات الإلكترونية وكذلك إنتاج فيديوهات تعليمية تستهدف الجميع في كيفية البحث عن المعلومات والتأكد من صحتها وتأثير المعلومات المضللة في تأجيج خطاب الكراهية.

السلام في السودان في مواجهة خطاب الحرب

لم يتأثر السودان بالربيع العربي في توقيته الزمني الواحد الذي انتشر في بقية البلدان، إلا أنه وبعد سنوات انطلقت احتجاجات شعبية ضد نظام الرئيس عمر البشير الذي غادر السلطة لاحقًا.

ويشبه السودان في حالات كثيرة اليمن وتغذي الصراع أطراف في الداخل والخارج وينتشر السلاح ويملكه العديد من الناس، وتعتبر تجربة السودان الإعلامية وتجربة المجتمع المدني في السودان متواضعة مقارنة ببقية البلدان العربية، ما جعل وجود مشاريع إعلامية تكافح خطاب الكراهية تواجه العديد من التحديات في مقدمتها وجود أشخاص مؤهلين يمتلكون الخبرة لتنفيذ مثل هذه المشاريع.

بعد ستة أشهر من بدء معارك الخرطوم وانتقالها إلى المدن الأخرى، بدأت مبادرة السلام لمواجهة خطاب الكراهية المتزايد يومًا بعد يوم هناك. ويقول معتز الأمين رئيس المبادرة إنّ الحرب أوجدت خطاب كراهية تجاه مجموعات اجتماعية محددة في المجتمع السوداني وهو ما كان يستوجب أن يقوموا بدورهم لمواجهة ذلك، مضيفًا أنّ الهدف الأساسي من ذلك مواجهة عسكرة خطاب الكراهية في الإعلام السوداني الرسمي والمعارض وتعزيز السلم المجتمعي.

انطلقت مبادرة السلام بدعم من منظمة الأسرة الدولية وفي مبادرة يقودها فاعلون سودانيون في الإعلام والمجتمع المدني في ظروف معقدة وغير معلنة بسبب الإجراءات الصعبة التي تشهدها السودان ولأن المبادرة تستهدف خطاب الكراهية الذي تقوده أطراف النزاع، ما جعل المبادرة تعمل على الاستهداف المباشر في جلسات حوارية ودورات بناء قدرات في مواجهة خطاب الكراهية للمستهدفين والمؤثرين إعلاميًا ومدنيًا وتصميم حملات إعلامية لمواجهة عسكرة الخطاب الإعلامية ودور اللاعنف في تعزيز السلام في المجتمع السوداني ومحاصرة خطاب الكراهية تجاه المجتمع السوداني والمرأة وإعداد قيادات إعلامية تحاصر التحريض وتعزز السلم المجتمعي.

الفن في مواجهة خطاب الكراهية 

هناك العديد من المبادرات التي تبناها الفرد الواحد وفقًا للإمكانيات المتاحة إلا أن أثرها كان كبيرًا. في تونس مهد الربيع العربي، أطلق الفنان التشكيلي خالد زغدود مبادرته الإعلامية لمواجهة خطاب الكراهية معتمدًا على فنه التشكيلي في الوصول للجمهور. ويقول إنّ خطاب الكراهية الديني يمثّل أكبر تحديات المجتمع التونسي في إقامة الوئام الاجتماعي وحماية عناصره الثقافية المختلفة وأيضًا لحماية بعض القطاعات الاقتصادية وفي الفترة الأخيرة شهدت تونس أحداثًا داخلية تضرر منها أهم مصادر دخل الدولة التونسية وهي السياحة، وكان خطاب الكراهية الديني سببًا مباشرًا فيها.

ولتلك الأسباب يعمل خالد مع مجموعة من زملائه لمواجهة خطاب الكراهية الذي يهدد استقرار المجتمع والدولة هناك، وتلقى دعمًا كبيرًا من مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد) لتنفيذ مشروع أطلق عليه اسم الوجود الواحد لمواجهة خطاب الكراهية الديني، وكانت الدورة الأولى من المشروع في العام 2021 وكان موضوعها "خطاب الكراهية الإرهابي والوئام الاجتماعي في تونس"، والمرحلة الثانية في العام 2023 بعنوان "خطاب الكراهية في تونس الموجه ضد الثقافات والشعوب المختلفة"، أما عنوان المرحلة الثالثة فكان "خطاب الكراهية الديني الموجه تجاه المرأة في تونس" عام 2024.

يعتبر الإعلام والفن خليطًا مميزًا لمواجهة خطاب الكراهية، فالفن بمختلف توجهاته وأشكاله يعتبر من أسرع الوسائل للوصول إلى الجمهور وهو ما عمل عليه خالد الذي يقول إن "الفن موجود بالأساس لمداواة علل المجتمع ولخلق الوئام بين الألوان والمفاهيم والاختلافات حتى يتحول النشاز في الكلام إلى لحن".

العراق.. بلد متنوع الطوائف

أما العراق الذي بدأت مأساته قبل سنوات طويلة من مآسي بلدان الربيع العربي، فقد تأثر بشكل مباشر من ذلك الانقسام الذي غذاه خطاب كراهية متزايد أدى إلى أحداث مأساوية ودامية ومتواصلة منذ 21 عامًا، ولم يلبث الوضع في العراق أن يهدأ قليلًا حتى يعود إلى الاشتعال من جديد، ويضمّ البلد عشرات القنوات الفضائية التي يمتلكها أطراف في النزاع وقيادات الطوائف الدينية، وإذا كان السودان به طرفان للحرب واليمن ثلاثة أطراف فالعراق يوجد به أضعاف تلك الأطراف والجماعات المسلحة.

في كردستان، انطلقت منظمة الإعلام المستقل في مشروع تطوير قدرات الفاعلين على وسائل التواصل الاجتماعي ضمن مشاريع مجموعة الأقليات الدينية وعلى مدار الثلاث السنوات الماضية وحتى اليوم في مختلف مناطق العراق والتي استهدفت مجموعة كبيرة من الناشطين والقيادات المجتمعية والدينية والصحفيين والمؤثرين في السوشيال ميديا، يقول خضر دوملي مدير المنظمة إنّ المشروع بدأ بمسح ميداني شمل جميع مناطق العراق عن المؤثرين إعلاميًا ودينيًا ومن ثم بدأ عقد شراكات حقيقية مع منسقي المنظمات الإعلامية المستقلة في مختلف مناطق العراق للبدء في تنفيذ أنشطة المشروع والتي كان منها إقامة دورات تدريبية وورش عمل في كيفية مواجهة خطاب الكراهية وتبادل الآراء بين تلك المنظمات لعمل آلية موحدة لمواجهة التحريض. ويضيف خضر أنه تم نشر مقاطع فيديو على صفحات المنظمة وصفحاتهم الشخصية من قبل أولئك المشاركين والتي كان لها تأثير جيد في الوصول إلى الجمهور وتقديم النصائح لهم لمواجهة خطاب الكراهية.

ويقول خضر إنّ من تأثيرات المشروع أن الذين حضروا تلك الورشات قاموا وبشكل طوعي في كتابة مقالات عن مواضيع خطاب الكراهية وتأثيرها كما أنهم قاموا بتدريب الفاعلين والشباب في المجتمعات المحلية في كيفية مواجهة هذا الخطاب، ومن أنشطة المشروع القيام بعملية رصد خطابات الكراهية التي يقوم بها الفاعلون في المجتمع العراقي وبعضهم نجح وبالشراكة مع المنظمة في إيقاف مجموعة من حملات خطاب الكراهية التي تعرضت لها فئات مختلفة في المجتمع وخاصة تلك الكتابات التحريضية التي كانت أثناء تنفيذ المشروع.

عوامل مشتركة وتحديات مختلفة

تحديات كبيرة ومختلفة تواجه تلك المشاريع التي تعمل لتخفيف وطأة النزاع والتطرف وخفض مستوى التحريض والكراهية بين أفراد المجتمعات الواحدة.

في اليمن، يقول هشام المخلافي إنّ دكة تواجه العديد من التحديات فهي حتى اللحظة تعمل بشكل فردي من قبل فريق عملها وبدون دعم، أما في السودان ولأن مبادرة السلام انطلقت مع بداية الحرب واشتداد المعارك العسكرية فإن المشروع كما يقول الأمين لم ينفذ في جميع الولايات كما كان مخططًا بسبب التهديدات الأمنية التي واجهها فريق العمل منها اعتقال مجموعة من زملاء الأمين في ولاية القضارف وفي ولاية كسلا، حتى الأمين نفسه تعرض لمحاولات اعتقال من طرفي النزاع.

تختلف التحديات التي تواجه خالد زغدود في تونس عن السودان واليمن والعراق، فهي لم تشهد معارك عسكرية حقيقية ووجود أطراف نزاع يملكون الإعلام والسلطة، حيث يقول خالد إنّ المشاريع التي تعتمد على الإبداع والخروج عن المألوف عامّة تعارضها الصفة المحافظة في المجتمع والتي تأبى التغيير وتريد تقييد الطاقات الإبداعيّة.

أما في العراق، فإنّ الصعوبات لا تختلف كثيرًا عن بقية البلدان حيث يقول خضر دولمي إنّ أبرز الصعوبات التي تواجههم هي استدامة المشروع والذي قد لا يكمل تحقيق أهدافه حتى النهاية، إضافةً إلى عدم وجود قوانين تمنع انتشار خطاب الكراهية.

الصورة الرئيسة منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي بواسطة بينج كوبايلوت.