كيف يتعامل مدققو المعلومات مع خطاب الكراهية؟

بواسطةأصيل ساريةApr 9, 2024 في موضوعات متخصصة
صورة

أنتجت شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة الموارد حول خطاب الكراهية بدعم من معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.

تزايد الحديث عن تدقيق المعلومات خلال السنوات الأخيرة بعد موجات كبيرة من المعلومات المضللة والخاطئة التي ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في نشرها وإيصالها إلى الجمهور بشكل أوسع من وسائل الإعلام التقليدية.

وعلى الرغم من أنّ التدقيق يدخل في أساس العمل الصحفي، إلا أنّ انتشار المعلومات الخاطئة بشكل كبير دفع وسائل الإعلام الكبرى لإنشاء قسم جديد لتقييم المعلومات وتدقيقها قبل النشر، وإيجاد عدد كافٍ من مدققي المعلومات الخاطئة.

ويواجه مدققو المعلومات صعوبات كثيرة في الرقابة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ومواجهة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية الذي ينشر عبر تلك المنصات لا سيما عندما يكون ذلك الخطاب صادرًا عن أشخاص لديهم مئات الآلاف وفي أحيان كثيرة ملايين المتابعين.

في العام 2012، أقرت الأمم المتحدة خطة الرباط بشأن حظر الكراهية الدينية أو العنصرية واقترحت الخطة معايير صارمة لتحديد القيود على حرية التعبير والتحريض على الكراهية، وتطبيق المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وحددت اختبارًا من ستة أجزاء يأخذ في الاعتبار (1) السياق الاجتماعي والسياسي و(2) حالة المتحدث و(3) النية لتحريض الجمهور ضد مجموعة مستهدفة (4) والمحتوى وشكل الخطاب و(5) مدى نشر الخطاب و(6) أرجحية الضرر، بما في ذلك الوشوك المحدق.

ويفهم الكثير من الناس أن حرية الرأي هي أن تقول ما تريد وتكتب ما تريد في مساحتك الخاصة التي أوجدتها وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحديثة وأن هذا الرأي لا يخضع للرقابة أو التدقيق، فهو لا يتضمّن معلومات أو أرقامًا تجعله محل شك أو محل التصحيح.

وفي ظل هذا العدد الضخم من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الرقعة الجغرافية العربية، فإنّ مسؤولية مدققي المعلومات تتعاظم في مواجهة ما ينشر لا سيما إن كان الرأي الداعي إلى التحريض أو الرأي الممزوج بخطاب التحريض هو السمة الأبرز في ذلك. 

في هذا السياق، أوضح مدقق المعلومات والباحث في مؤسسة مهارات حسين الشريف أنّ مواجهة خطاب الكراهية يكون في مواجهة الأخبار الكاذبة، حيث يجب التأكد من كمية الأخبار المضللة خصوصًا بالحملات التي تكون على منصات التواصل الاجتماعي وأنّ مدقق المعلومات هنا يمكن أن يدقق تلك المعلومات وكميتها ومضمونها.

ويقول الشريف إنّ تأثير الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي يلعب دورًا كبيرًا في مواجهة الخطاب الذي يتبنونه وفقًا لخطة الرباط التي وضعت عدة معايير، أبرزها وصول الشخص لعدد كبير من الناس، فمثلًا الشخص الذي لديه مجموعة محددة من المتابعين وينشر خطاب كراهية تختلف طريقة محاسبته عن شخص يتابعه 50 ألفًا أو نصف مليون لأن التأثير على المتابعين أكبر، إضافة إلى مضمون الخطاب الذي ينشره "هل يحرض على العنف الجسدي ويتسبب بإيذاء الأشخاص الذين تضمنهم خطابه؟"، وهنا يقول الشريف إنه "يجب محاسبته وملاحقته وتدقيق ما ينشره" .

ولكي يواجه مدققو المعلومات تلك التأثيرات التي يتبناها المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي تحت غطاء الرأي، يقول الشريف إنّ عليهم أن يمتلكوا منهجيات لمواجهة الأخبار المضللة والحملات التي تتضمن خطاب تحريض وكراهية قادرة على تفنيدها وتخفيف الأثر على الفئات المهمشة التي في العادة يستهدفها خطاب الكراهية.

وفي مؤسسة مهارات في لبنان يقول الشريف إنّ العمل جارٍ مع "ميتا" لرصد خطاب الكراهية الموجه للناشطات بالشأن العام وعند ملاحظة خطاب كراهية تجاه هؤلاء النساء يتم رفعه إلى ميتا لحذفه أو حذف الحساب.

من جانبه، قال مدقق المعلومات الليبي ماهر الشاعري إنّ "كل شخص يجيد استخدام الموبايل ويدرك أسس المونتاج أصبح صانع محتوى بغض النظر عن نوع المحتوى الذي يقوم بترويجه، حتى باتَ المساس بالآخرين منضويًا تحت مظلة حرية الرأي، علمًا أنّ حرية الشخص تقف عند المساس بحرية الآخرين". ويشير الشاعري إلى أنّ أغلب صناع المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي لا توجد لديهم أسس علمية للتفريق بين رأيهم الشخصي الهادف وبين خطاب الكراهية وأن هؤلاء وجدوا بيئة خصبة للانتشار في مجتمعاتنا العربية.

وشدّد الشاعري على أهمية إيجاد خطاب موازٍ لهؤلاء والرقابة عليهم، ويأتي هنا دور مدققي المعلومات في مسألة الحد من التحريض على العنف وتقليل كمية خطاب الكراهية المنتشرة، لافتًا إلى أنّ محاربة خطاب الكراهية تتطلب عملًأ مستمرًا لتوعية المواطن الذي لا يعي خطورة خطاب الكراهية الذي يتبناه مشاهير التواصل الاجتماعي تحت غلاف الرأي الشخصي.

خطاب كراهية متزايد 

تنص المادة التاسعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء بدون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود"، ومن هنا يؤمن الكثير ممن قرأ هذه المادة وممن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ولديه مئات الآلاف من المتابعين أن آراءهم لا يمكن أن تخضع للرقابة والتدقيق، فهم لا ينقلون معلومات بل ينشرون آراءهم الشخصية ولا يحق لأحد أن يتدخل فيها.

وسمحت وسائل التواصل الاجتماعي بانتشار المعلومات المضللة بشكل كبير وسريع وساهمت في تشكيل آراء الناس وتوجيه سلوكهم في أحيانٍ كثيرة وتكوين ردة فعل بناءً على ما ينشره المؤثرون الذين يتابعون صفحاتهم ووفقًا لتعريف الأمم المتحدة لخطاب الكراهية والذي يشير إلى "الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو فردًا بناءً على خصائص متأصلة (مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي) والتي قد تهدد السلم الاجتماعي"، وبذلك فإنّ الرأي المسيء يدخل ضمن خطاب الكراهية.

في هذا السياق، يرى موسى أبو قاعود، صحفي ومدقق معلومات ومؤسس منصة شييك في الأردن أنّ مدققي المعلومات في العالم العربي يواجهون تحديات كبيرة في التصدي لخطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بآراء مشاهير هذه المنصات ومن الناحية الأخرى، يُلاحظ نقص في عدد المدققين الذين يعملون على رصد ومواجهة هذا النوع من المحتوى، مما ينتج عنه قلة الخبرة في التعامل مع خطاب الكراهية.

ويقول أبو قاعود إنّ هناك تحديات كثيرة تواجه مدققي المعلومات عند التعامل مع خطاب الكراهية من مشاهير التواصل الاجتماعي، حيث يجب تقديم تحليل يتضمن الانتهاكات التي يحتويها الخطاب مع ملاءمته مع القوانين والمواثيق الدولية ويجب على منصات تدقيق المعلومات التي تعمل على رصد خطاب الكراهية العمل على تثقيف مشاهير التواصل الاجتماعي من خلال حملات توعية، والاستمرار في مكافحة خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تطوير أدوات ومهارات فعالة، ويجب التأكيد على أهمية حرية التعبير وحماية الحق في التعبير عن الرأي بدون التعرض الكراهية أو التمييز.

ويضيف أنّ الصحفيين ومدققي المعلومات يحتاجون قبل اللجوء إلى الأدوات والتقنيات إلى اكتساب مهارات التفكير النقدي والتي تمكنهم من تقييم محتوى خطاب الكراهية بشكل موضوعي، وتتطلب فهمًا عميقًا لتعريفات خطاب الكراهية وسياقاته المختلفة، بالإضافة إلى القدرة على تحليل الخطاب العام، ويمكن استخدام التقنيات المساعدة مثل أدوات الذكاء الاصطناعي لتحديد مؤشرات الخطاب كعامل مساعد في هذه العمليات".

إرشادات عملية

من جانبها، ترى الدكتورة أروى الكعلي، الأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس والمدربة في صحافة البيانات وتدقيق المعلومات وصحافة الحلول أنّ تعريف خطاب الكراهية اصعب من تعريف الادعاء الذي قد يكون صحيحًا او خاطئًا، أما خطاب الكراهية فمن الممكن أن يكون رأيًا أو معلومات وانطباعات أو نعوتًا أو وضع مجموعة من الأشخاص في سياقات معينة وخلق صور نمطية لهم الخطاب.

وتقول الكعلي إنّه من الممكن أن يدقق مدققو المعلومات أخبارًا يتم توظيفها في خطاب الكراهية وتفكيك الحملات التي تتضمن خطاب الكراهية والتحقق منها، كما تعمل بعض المؤسسات الدولية التي تمتلك تجربة في ذلك. وتضيف أن تحليل الخطاب وتفكيكه يتطلب جهدًا كبيرًا من قبل مدققي المعلومات لا سيما ما ينشر على وسائل التواصل الإجتماعي والتي لا توجد بها مواثيق إعلامية محددة بعكس الوسائل الإعلامية التقليدية.

وختمت الكعلي بأنّه ينبغي على مدققي المعلومات عدم الاكتفاء بالأدوات الفنية التي يستخدمونها في التدقيق بل أنهم يحتاجون إلى تدريبات كثيرة في فهم خطاب الكراهية وتحليله ورصده.

الصورة الرئيسة منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي من خلال شات جي بي تي.