قواعد اختيار اللغة في كتابة الأخبار والتقارير

بواسطةمايكل فارسApr 9, 2024 في موضوعات متخصصة
صورة

أنتجت شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة الموارد حول خطاب الكراهية بدعم من معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.

إنّ المحتوى المكتوب لفكرة ما عبارة عن مفردات وألفاظ تشكل فيما بينها نصًّا كاملًا يعبر عن المضمون وجوهره، ولكل لفظ دلالاته التي يستقبلها الجمهور المتباين في الثقافات والمعتقدات والفكر والمستوى الاجتماعي والتعليمي وغيره، قد يكون له معنيان، أحدهما ظاهر والآخر باطن، ولكن الكلمة تأخذ مدلولها الحقيقي وفق سياق الجملة المذكورة والمعنية بالحدث، حين أقول "هناك مجتمعات تعاني من التنميط والتمييز"، فالدلالة التي تصل إلينا هي دلالة سلبية، ففي السياق ذكرنا "تعاني" ولكن لفظة "التمييز" لها دلالة أخرى وهي التمييز الإيجابي لفئة معينة، ولكنها أخذت وفق سياق الجملة الدلالة السلبية؛ لأنها جاءت بعد التنميط الذي نترجمه في عقولنا على أنه شيء غير مستحب، لذا حين نتحدث عن الصياغة واللغة التي علينا أن نكتب بها لتجنب كتابة أخبار وتقارير تحتوي على خطاب كراهية، يمكننا وضع 5 قواعد هامة ليست من أجل تحديد خطاب الكراهية ومواجهته فحسب، بل لاستخدامها خلال تغطياتنا الصحفية والإعلامية كافة.

القاعدة الأولى: المصطلحات

يجب أن تكون دقيقة تعكس ما حدث، وغير مُلغمة أو مفخخة ومشحونة بالعاطفة، وألا تحمل في طياتها تعميمًا أو انحيازًا لأي طرف، وأن تُكتب بدون استخدام تعابير شائنة أو مهينة تحمل تشويهًا وتجريحًا ونَيلًا من سمعة أي طرف، والتي لا تغير الأحداث بل ستزيدها حدةً واستقطابًا وكراهية بين الأطراف، وكذلك تجنب استخدام المصطلحات الغامضة حمالة الأوجه والتي تتضمن معانيَ عديدة للكلمة نفسها، وهو ما يطلق عليه في الفلسفة بـ(الالتباس الاصطلاحي) وهو ما عرفه كل من تريسي بويل وجاري كمب في كتابهما "التفكير النقدي دليل مختصر" ، بأنه خاصية للكلمات والجمل المفردة عندما يكون هناك أكثر من معنى للكلمة أو الجملة والكلمة الملتبسة تنقل هذا الالتباس إلى الجملة، فتجعل لها أكثر من تأويل.

ويؤكد  م. نيل براون و ستيروارت م. كيلي في كتابهما "طرح الأسئلة المناسبة.. مرشد للتفكير الناقد" أن الغموض يكون مقصودًا، خصوصًا في اللغة السياسية، فمن يحاول إقناعك يعي غالبًا أن للكلمات معانيَ متعددة ومنها دلالات وتأثيرات عاطفية مثل الولاء للوطن، والمسؤولية الاجتماعية، والتضحية والعدالة والرعاية الاجتماعية للإشارة لقيام الحكومة بتقديم العون، فمثلًا كلمة "إصلاح" تساوي تغييرات مستحسنة، وعكسها مثل كلمة "متطرف" تأثيرها العاطفي أنه غير مرغوب فيه، و"إرهابي" ذات تأثير بأنه متوحش وغير متحضر، و"مليشيات" وغيرها، فحاول أن تخلص لغتك من الغموض بصرف النظر عن هُوِيَّة المتلقي، فحين تشعر بغموض التعبير، احرص على تحديد ألفاظك.

القاعدة الثانية: الأوصاف

الأوصاف هي إحدى أدوات الاتصال اللغوي للتعبير عن المشاعر والانفعالات الداخلية تجاه كل ما يحيط بنا من شخصيات ومواقف وأماكن وغيره، وسنتحدث في إطار خطاب الكراهية عن أربعة أنواع من الأوصاف.

الأوصاف المجتزأة السلبية

 أو الاجتزاء السلبي للأوصاف، أي وضع الأوصاف في غير محلها، فحين نجتزئ وصفًا من سياقه ونضعه في سياق آخر، فهذا يفقده موضوعيته وأخلاقيته أيضًا؛ لأننا نفصله من فكرته العامة ونشكل فكرة جديدة ذات دلالات سلبية، ويتم استخدامها لوصف أحداث اجتماعية وسياسية أو مواقف وشخصيات لإحداث تأثير عاطفي سلبي على القارئ  لتشويه الأشخاص أو الأحداث، وأمثلتها بالصحافة كثيرة مثل (أيتام النظام البائد)، فنحن اجتزأنا وصف الأيتام من سياقه وألصقناه في سياق آخر، وبالمثل (شعب همجي) و(مظاهرات طائفية).

الأوصاف التي تحمل اتهامات

مثل "مختل عقليًّا" أو "مريض نفسي"، فيجب أثناء كتابة الأخبار والتقارير استخدامها بحذر شديد وفقًا لقاعدة التنصل أي بوضعها بين علامتَي تنصيص، وذلك بعد ثبوتها رسميًّا في التحقيقات، أو حتى إن كانت في  تحريات أولية أو مصادر أو شهود عيان. في العنوان المقابل: "مختل عقليًا يقتل كاهنًا في مدينة الإسكندرية المصرية"، تم وصف مرتكب الواقعة بالمختل عقليًّا بناءً على توصيف شهود العيان، وهم في الخبر مصادر مُجهلة، ولم يحدد المحرر من قال إن المشتبه به في واقعة القتل مختل عقليًّا.

الأوصاف التنميطية

التنميط في علم النفس الاجتماعي هو أن يُصدر الشخص حكمًا بناءً على وجود فكرة مُسبقة عن فئة معيّنة، ومن هنا تنشأ الصور والقوالب النمطية أو التصنيفات عن الهويّات الدينية والعرقية والإثنية، بل المهنية والسياسية، ومن الأخطاء الشائعة وصم المشتبه بهم بأوصاف تنميطه سلبية، من قبيل إرهابين- متطرفين- جهاديين- متشددين- تكفيريين- أصوليين- خونة وغيرها من الأوصاف، ومصطلح مثل (إرهابي) يجب ثبوته بحكم قضائي حتى يتسنَّى استخدامه صحفيًا، كما أن تلك الأوصاف في حقيقتها وجهات نظر ليس إلا، تقع في إطار (أحكام القيمة) وهي تحمل آراء أصحابها فقط، وعادة تكون مرتبطة بقيم أخلاقية ونسبية ومنحازة؛ فحين نصف شخصًا ما بالمتعصب أو الأصولي أو المتشدد، فهذا الوصف يعتمد على تصوراتنا عن ذلك المفهوم، كما أنه يخضع للنسبية والانحياز بسبب التأثيرات النفسية والاجتماعية والثقافية التي ينتمي لها الفرد في المجتمع.

أوصاف العاطفة والانفعال

 يجب أن نتوخى الحذر في استخدام اللغة المبنية على أوصاف العاطفة والانفعال، والتي تعبر عن النزاع أو المشاعر بشكل غير دقيق، خاصة تلك الصادرة من مصادر أو شهود عيان، مثل مجزرة، إبادة جماعية، أحداث مدمرة، مأساة، الترهيب، "بيكرهونا"، كارثة إنسانية، الوجه المظلم، الوجه القبيح. وجميعها لو لاحظنا، سنجدها أيضًا تقع في إطار أحكام القيمة، وإن استدعت الضرورة لاستخدامها، فيجب وضعها باستخدام قاعدة التنصل بين مزدوجين، حتى لا نقع في دائرة (نقل التحريض) الذي حذر منه ميثاق وكالة فرانس برس لأصول وأخلاقيات العمل التحريري، حيث وضع قاعدة هامة؛ وهي تجنب نقل التحريض على العنف والشتائم العرقية وخطابات الكراهية، وفي حال صرح بها مسؤول علنًا، فيجب وضع حديثه في سياقه مع ضرورة منح الطرف الآخر حق الرد.

القاعدة الثالثة: أسماء التَّفضيل

يجب تجنب التفضيلات ذات الدلالة السلبية، اسم التفضيل يستخدم حين نقارن بين شيئين قد اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها، مثل أكبر- أسوأ- أفضل- أقبح- أعظم، وغيرهم، وحين نتحدث عن أديان أو مذاهب أو أعراق ولنتجنب خطابات الكراهية علينا استخدام هذه الصيغ بحذر شديد بحيث لا تُلقي دلالات سلبية على الآخر لتشويهه أو الحط من شأنه، فحين نقول إن "عدد السنة أكبر من الشيعة في..." هذا أمر مقبول، ولكن إن قلنا "السنة أفضل من الشيعة..." هنا دخلنا في دائرة خطاب الكراهية.

القاعدة الرابعة: الاختلاف القِيمي

ولها عدة مسميات مثل خلافات قيمية أو قيم متباينة، أو تضارب القيم، وتنبع من أطر مرجعية مختلفة سواء ثقافية أو أخلاقية أو مجتمعية، فمثلًا الإجهاض هناك مَن يراه جريمة، وآخرون يرونه عملًا إنسانيًّا، وفي الكتاب الذي أشرت إليه طرح الأسئلة المناسبة لكل من م. نيل براون و ستيروارت م. كيلي، فقد عرفا "الافتراض القيمي"، بأنه معتقد مُسلَّم به يتعلق باستحسان نسبي لقيم متنافسة بعينها، والقيم هي أفكار يعتقد الناس أنها جديرة بالاهتمام وهي تشكل معايير سلوكية لديهم، وهي معايير سلوكية نصادق عليها ونتوقع التزام الآخرين بها.

القاعدة الخامسة: التعريفات

يجب تسمية الناس كما يسمون أنفسهم، فلا يجب استخدام تعريف شخص أو جماعة بمسمى يرفضونه، خاصة في ظل المجتمعات التي تتمتع بتنوع ديني وعرقي وإثني؛ لأن استخدامها لن يزيد القضية إلا احتقانًا، مثل النصارى أو الأقلية؛ فالمسيحيون في مصر يرفضون وصفهم بذلك، وكذلك الروافض والصفوية والنواصب في العراق للإشارة إلى الشيعة، أو وصف السنة بالبعثية في إشارة لحزب البعث، أو وصف السنة بـ(الزنابيل) في اليمن، ويتطرق ذلك لمسميات رجال الدين فيجب تعريفهم ووضع ألقابهم وفق معتقدهم، وليس وفق ما نراه نحن.

وعلينا أن نعي جيدًا أن التعريف بالدين ومبادئه وقواعده وطقوسه، لا يعني نهائيًّا التجريح في غير أتباعه، أو وصمهم بمصطلحات أو تعريفات يرفضونها، فهناك ضرورة لاستعمال التعابير الإيجابية التي تقوي روابط المجتمع بدلًا من التعابير السلبية التي تقسمه، وفي حال وجود فتاوى دينية تستخدم تلك المصطلحات، فيتم نشرها في أضيق الحدود بين علامتَي تنصيص مثل كلمة (كافر)؛ لتطبيق قاعدة التنصل التي ناقشناها سابقًا.

الصورة الرئيسة منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي من خلال شات جي بي تي.