خطاب الكراهية في الأنظمة الاستبدادية

بواسطةعلي الإبراهيمApr 9, 2024 في موضوعات متخصصة
صورة

أنتجت شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة الموارد حول خطاب الكراهية بدعم من معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.

تعد مسألة خطاب الكراهية وتأثيره على التعايش والتواصل بين المجتمعات المتعددة الثقافات من أبرز التحديات التي تواجهها المنطقة العربية خاصة في ظل وجود أنظمة استبدادية تفرض قيودًا كبيرة على حرية التعبير. تعد هذه المناطق بيئات خصبة لانتشار خطاب الكراهية نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية المعقدة التي تمر بها، مما يزيد من التوترات الاجتماعية ويعيق عملية التواصل الفعّال بين الثقافات المختلفة.

وتشهد الدول الاستبدادية تضييقًا كبيرًا على حرية التعبير والرأي، وتعتبر وسائل الإعلام الحكومية أداة لتعزيز السلطة وتثبيت النظام القائم، من خلال استخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، يتم ترويج خطاب الكراهية وتعميق الانقسامات في البلاد.  

يُعرف خطاب الكراهية على أنه أي نوع من أشكال التواصل، سواءً كان شفهيًا، كتابيًا، أو حتى سلوكيًا، يهدف إلى الهجوم أو استخدام لغة تمييزية أو مُزدرِية تجاه شخص أو مجموعة معينة استنادًا إلى هويتهم. يمكن أن يستند هذا التمييز إلى عوامل مثل الدين، أو العرق، أو الجنسية، أو اللون، أو النوع الاجتماعي، أو أي عوامل أخرى تحدد هوية الفرد أو المجموعة. وتشمل أشكال خطاب الكراهية جميع الوسائل المتاحة للتعبير، سواء كانت كلمات، صورًا، رسومًا متحركة، ميمات، رموزًا، أو أي مظاهر أخرى يمكن نشرها عبر الإنترنت أو في الوسائط الأخرى. 

أحد أساليب الأنظمة الاستبدادية في بث خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو استخدام الحملات الإعلانية والتسويقية الموجهة للمجموعات المعنية، حيث يتم نشر محتوى مضلل أو معادٍ للأخلاق لتشويه صورة فئات معينة وإشعال التوتر بين الأفراد. كما تقوم تلك الأنظمة بتشويه الحقائق وتقديم الأحداث بطريقة ملتوية لصالح أجندتها السياسية.

بالإضافة إلى ذلك، تعتمد هذه الأنظمة على تنظيم حملات تضليلية وترويجية تستهدف تشويه صورة المعارضين والنشطاء والصحفيين الذين يعارضون سياستها، حيث تنشر الشائعات والأكاذيب بهدف التشويش على الرأي العام وتقويض الثقة في الأفراد والمؤسسات التي تناقش القضايا السياسية والاجتماعية بشكل حيادي.

خلال الأعوام الماضية بات واضحاً استخدام الدول الاستبدادية وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف لخدمة أجندتها السياسية والاستبدادية. تُعد هذه الاستراتيجيات جزءًا من سياسات متكاملة تهدف إلى تثبيت النظام القائم وتقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير. وهنا بعض الأمثلة على الاستراتيجيات التي تستخدمها هذه الدول في هذا السياق:

الرقابة الشديدة: تعتمد هذه الدول على فرض رقابة شديدة على محتوى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال مراقبة النشاط الرقمي للمواطنين، ومنع النشر الحر والمعارض للسلطة.

تشويه الحقائق والتضليل: يقوم النظام الاستبدادي بنشر معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه صورة الخصوم السياسيين وتبرير سياسته القمعية.

استخدام الحسابات المزيفة: تقوم هذه الأنظمة بتشغيل بوتات وحسابات مزيفة على منصات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل موجهة تدعم السياسات الحكومية وتهاجم المعارضين.

حجب المواقع والتطبيقات: يتم حجب المواقع والتطبيقات التي تروج للحريات الشخصية والسياسية، ويتم تقييد الوصول إلى المحتوى الذي يعارض السلطة.

تضييق الفضاء الرقمي: تطبيق قوانين صارمة تقيد حرية التعبير على الإنترنت، مما يضيق الفضاء الرقمي للمعارضة والأصوات الحرة.

ولتجنب خطاب الكراهية ينصح الخبراء، الصحفيين ووسائل الإعلام بعدد من الإستراتيجيات لتفادي خطاب الكراهية والتي تعدّ جوهرية في تعزيز المساواة وحقوق الإنسان، وتعكس المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق الصحفيين ووسائل الإعلام.

إليك بعض الإستراتيجيات التي يمكن اتباعها للتعامل مع هذا التحدي: 

الاستقلالية والحيادية والموضوعية: تشجيع الصحفيين على الحفاظ على الموضوعية وعدم التحيز في تغطية الأحداث والقضايا، وتجنب إعطاء أولوية لآراء معينة أو الانحياز لمجموعات معينة.

تدقيق المعلومات: تأكيد صحة المعلومات والأخبار من مصادر موثوقة قبل نشرها، وتجنب نشر الشائعات أو المعلومات غير المؤكدة التي قد تثير الكراهية.

استخدام لغة احترافية للتعبير: تجنب استخدام لغة عنصرية أو تحريضية في التقارير والمقالات، واستخدام اللغة بشكل مسؤول ومحترم بدون تشويه لصورة فئات معينة.

التوعية والتثقيف: تعزيز الوعي والتثقيف بين الجمهور حول خطورة خطاب الكراهية وتأثيره السلبي على المجتمع، وتشجيع المناقشات المفتوحة والبناءة حول القضايا الحساسة.

تنويع المصادر والآراء: تشجيع التنويع في مصادر الأخبار وآراء الكتّاب والمعلقين، وتجنب الاعتماد الكلي على مصادر واحدة تقلل من التنوع وتعزز الانحياز.

المساءلة والشفافية: تشجيع وسائل الإعلام على تبني مبادئ المساءلة والشفافية في عملها، وتقديم توضيحات وتفسيرات للقرّاء عن الطريقة التي تم بها تحليل الأخبار والمعلومات.

التواصل مع الجمهور: بناء قنوات فعّالة للتواصل مع الجمهور لفهم احتياجاتهم ومخاوفهم، والاستجابة لتعليقاتهم وملاحظاتهم بشكل منتظم.

التعاون مع المجتمع المدني: تعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية للعمل على مكافحة خطاب الكراهية والعنصرية والترويج لقيم التسامح والتعددية.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مسؤول: من خلال تجنب نشر معلومات مضللة أو تحريضية والتحقق من مصداقية المعلومات قبل نشرها. 

كشفت دراسة نُشرت سابقاً بعنوان "تسويق خطاب الكراهية ودوره في استمرار العنف في السياق السوري"، عن واقع يُظهر وجود خلط واضح بين خطاب الكراهية وحرية التعبير في سوريا، نتيجة لعدم وجود قوانين تنظيمية لمواجهة خطاب الكراهية في القوانين السورية وقلة المراجع العربية بهذا الصدد. ومن الجدير بالذكر أن التلفزيون الرسمي السوري يعتبر من بين المروجين الرئيسيين لخطاب الكراهية بحسب الدراسة، بينما تُعتبر جريدة "تشرين" التابعة للحكومة هي الأكثر استخدامًا لعبارات كارهة في الصحافة السورية. وفي هذا السياق، كانت الراديوهات هي الوسيلة الأقل ترويجاً لخطاب الكراهية وتعمل بشكل أقل بكثير من غيرها على نشره. 

وبحسب دليل تجنّب التمييز والكراهية في وسائل الإعلام الصادر عن معهد الجزيرة  للإعلام، فقد ظهر مصطلح "خطاب الكراهية" للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية عـام 1989، ليشمل المشـكلات المرتبطة بالخطاب العنصري المؤذي الـذي كان محصنًا تحـت بنــد حمايــة حرية التعبير. 

وعليه كيف يمكن الحد من انتشار خطاب الكراهية وتعزيز الحريات الأساسية للتعبير في المجتمع. لا شك أن مواجهة خطاب الكراهية والتمييز في المجتمعات الاستبدادية تعد تحديًا كبيرًا نظرًا للقيود الكبيرة المفروضة على حرية التعبير. 

 لذلك، من خلال التعاون بين الصحفيين ووسائل الإعلام، يمكن تحقيق تقدم في مكافحة هذه الظاهرة في الدول الاستبدادية، على الرغم من التحديات الكبيرة المفروضة على حرية التعبير والتنظيم في تلك البيئات من خلال: 

تعزيز التوعية الإعلامية: من خلال إطلاق حملات توعية وتثقيف عن خطورة خطاب الكراهية والتمييز وتأثيرها السلبي على المجتمعات. يمكن تحقيق ذلك من خلال برامج تلفزيونية وإذاعية، وورش عمل، وحملات إعلامية موجهة. 

تعزيز حرية الصحافة والتعبير: من خلال دعم وتشجيع وسائل الإعلام المستقلة للتحقيق والتقارير الهادفة التي تسلط الضوء على قضايا الانتهاكات والتمييز، وتوفير منبر للأصوات المتنوعة والمتعددة. 

توفير المساحة للمناقشة العامة: خلق بيئة تسمح بالحوار العام والنقاش المفتوح حول القضايا المتعلقة بالتمييز والكراهية بدون خوف من الانتقام أو القيود الحكومية. 

التركيز على التعليم والتدريب: لتعزيز الوعي بأهمية الحوار والتعايش السلمي، وتعزيز المهارات الحوارية والتواصلية لدى أفراد المجتمع. 

إطلاق حملات توعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي: استغلال قوة وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق حملات توعية وتثقيف حول أهمية التسامح ومخاطر خطاب الكراهية. 

تشجيع الأبحاث والدراسات الأكاديمية: دعم الأبحاث والدراسات الأكاديمية حول تحليل خطاب الكراهية وتأثيره وتقديم التوصيات الفعّالة لمواجهته. 

إن تجنب خطاب الكراهية يعتبر مسؤولية مشتركة بين المجتمع ووسائل الإعلام والصحفيين. من خلال اعتماد الاستراتيجيات الصحفية السابقة وتعزيز قيم الحيادية، الموضوعية، والمساءلة، يمكن للصحافة أن تسهم بشكل كبير في خلق بيئة إعلامية صحية وتوعية المجتمع بأهمية الحوار البناء واحترام التنوع والحقوق الأساسية.

الصورة الرئيسة منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي من خلال شات جي بي تي.