الرقابة الذاتية وحماية الصحفيين رقميًا في الأنظمة الاستبدادية

بواسطةسفيان السعوديDec 18, 2023 في السلامة الرقمية والجسدية
صورة

تختلف التعريفات التي تحيط بموضوع الرقابة الذاتية عند الصحفيين، إذ منها ما تشير إلى كونها ممارسات ينتهجها الصحفيون بشكل طوعي واستباقي قبل نشر أي محتوى من أجل حماية أنفسهم من المخاطر والإجراءات الانتقامية التي قد تصدر عن جهات رقابية أو أشخاص قد يتأثرون سلبًا من المحتوى الإعلامي إذا ما تم نشره، وقد تكون هذه المخاطر جسدية، نفسية، رقمية، مهنية أو قانونية. 

أما الممارسات فتشمل حذف تفاصيل من القصص قبل نشرها، وتجنب مناقشة مواضيع معينة، أو التحدث عن شخصيات عامّة أو مؤسسات وغيرها من الممارسات التي تقتل حرية الإعلام.  

وهناك أيضًا تعريفات تحاول تفسير الرقابة الذاتية عند الصحفيين بشكل إيجابي باعتبارها من الإجراءات التقنية التي يتوخى منها الصحفيون تقييم جودة إنتاجاتهم الإعلامية، من خلال التقيد بمعايير أخلاقيات الصحافة وعدم التحيز، وضمان تقديم المعلومات الصحيحة مع الابتعاد عن الابتذال ومعالجة المواضيع ذات القيمة المهنية بدقة.  

ولكن هنا يكمن الخيط الفاصل بين الرقابة الذاتية وأخلاقيات الصحافة بحيث أنهما لا يمكن أن يكونا وجهين لعملة واحدة، لكونهما تعريفين متناقضين إذا ما تم الرجوع لمسببات كل حالة من الحالتين. إذ أنّ التعريف الأول يعود للرغبة الكامنة في تكميم أفواه الصحفيين من خلال قوانين تضييق الخناق على العمل الصحفي وحرية التعبير، أو حتى من خلال التهديد والاختطاف، وهو ما يؤدي إلى تقييد حرية العمل الصحفي في التعبير أو المحتوى التحريري، عبر زرع الرعب في نفوس الصحفيين وجعلهم يفضلون الالتزام بالرقابة الذاتية في مهنة لا تخلو من المخاطر. أما التعريف الثاني المتعلق بأخلاقيات الصحافة فلا يعدو أن يكون ممارسات ضرورية في العمل الصحفي غير نابعة من ضغط أو خوف. 

ومن الواضح أنّ الرقابة الذاتية في العمل الصحفي لها أوجه عديدة، منها ما هو متعلق بالمخاوف بشأن العواقب التي قد تكون مرتبطة بقوانين بعض الدول التي قد تكون مبهمة أو مقلصة لنطاق حرية التعبير كما ورد في تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حول قوانين الصحافة في منطقة الشرق الأوسط، ومنها ما هو متعلق بممارسات سياسية تبتغي السيطرة على الإعلام لضمان عدم تمرير أفكار ضد الأنظمة السياسية، وقد تكون أيضًا بسبب رغبة الصحفيين في عدم الخروج عن سياق المعايير الاجتماعية والثقافية للمجتمع والجمهور المستهدف. 

وفي أحيان أخرى تخوفًا من فقدان العلاقات التجارية مع بعض الشركات الإعلانية وهو ما عبرت عنه دراسة شملت صحفيين ومديري الأخبار في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2000 والتي اعترف فيها أكثر من 40% من الصحفيين بكونهم يعملون على صياغة قصصهم بما يتناسب مع اهتمامات الشركات الإعلانية. 

وليس دائمًا ما يكون الصحفي هو المسؤول الوحيد عن الرقابة الذاتية خصوصًا إذا تعلّق الأمر بالمؤسسات الإعلامية، فحين ذلك تكون هذه الرقابة الذاتية على شكل أنظمة داخلية أو كما يعتبرها كورت لوين في نظريته، بمثابة حارس للبوابة الإعلامية. بحيث يقوم هذا الحارس الذي قد يكون شخصًا أو نصًا قانونيًا بالتحكم في نقطة حاسمة ضمن سلسلة الاتصال، مما يمنحه سلطة في اتخاذ القرارات حول كيفية مرور المعلومات من خلال البوابة وكيفية وصولها والشكل الذي ستكون عليه حين وصولها للجمهور المستهدف. 

وهو ما يلخص أنّ للرقابة الذاتية في العمل الصحفي آثار سلبية كثيرة على حرية الإعلام ووصول المعلومة إلى الجمهور. وليكون السؤال حول كيف يمكن للصحفيين حماية أنفسهم جسديًا ورقميًا وتجاوز الرقابة الذاتية؟

فيما يلي بعض النصائح للإجابة عن هذا السؤال:

تقييم المخاطر، ويشمل التعرف على السياق الجيوسياسي من خلال تحليل الوضع السياسي، وفهم موقف الحكومة من حرية الصحافة ومعاملة الصحفيين، والتعرف على قوانين الصحافة والنشر. 

ويشمل أيضًا الاطلاع على الوضع العام لحرية الإعلام، مع ضرورة التعرف على العادات والتقاليد المحلية والحساسيات الثقافية للجمهور. 

هذا التقييم للمخاطر لا يبتغي الحد من حرية التعبير بقدر ما قد يساعد في الاستعداد لردود الأفعال من قبل الجمهور، أو من الجهات الحكومية من أجل تطوير خطة الطوارئ مع إجراءات واضحة لسيناريوهات مختلفة للتعامل مع المخاطر المحتملة. 

التدريب المستمر، يشمل التعامل مع التهديدات الرقمية المحتملة، مثل القرصنة أو المراقبة أو المضايقات عبر الإنترنت، ومواجهة حملات التشهير الرقمية التي قد تطال بعض الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بسبب آرائهم أو بسبب إنتاجاتهم الإعلامية. وقد ينصح بعض الخبراء بالتفكير في استخدام أسماء مستعارة في بعض السياقات التي يكون فيها من الخطر الكتابة بالأسماء الحقيقية. 

ويشمل هذا التدريب المستمر، التعامل مع التهديدات الجسدية من خلال تقييم مخاطر الأذى الجسدي، بما في ذلك العنف أو الاختطاف أو التحرش، سواء من خلال السياق التاريخي للهجمات على الصحفيين، والتعرف على قصص الناجين والاستفادة منها. 

التشبيك وبناء التنظيمات الذاتية القوية من شأنها أن تساعد في تكثيف الجهود والقوى لحماية الصحفيين وتشمل التنظيمات المحلية والدولية، ومن الضروري في حالة الرغبة في تنسيق الجهود أو بناء هذه التنظيمات مراعاة أن تكون ذات شبكات تواصلية قوية ومحمية من الاختراقات، وتوفر في حالات الطوارئ الدعم العاجل سواء القانوني أو النفسي، وبناء حملات المناصرة للضغط وتحسين قوانين حرية الصحافة. 

وتساعد أيضًا هذه التنظيمات في تبادل المعلومات والإبلاغ عن الانتهاكات، كما يجب أن توفر ورش عمل تدريبية دائمة حول بالسلامة والأمن الرقمي والجسدي لأعضائها. 

ومن النصائح التي يمكن أن تغني الصحفيين عن الرقابة الذاتية هي الالتزام بنقل الأخبار والمعلومات بدقة ومصداقية، وتجنب تضخيم الأحداث أو إضفاء طابع التحيز، مع القدرة على تقديم تحليل موضوعي ومتوازن للأحداث والقضايا بدون تأثير من آراء شخصية. 

كما يجب تجنب تحريض القراء أو المشاهدين بشكل غير مسؤول أو تشجيع الكراهية أو التمييز، والتحلي بحس المسؤولية المهنية وأخلاقيات الصحافة بحيث إذا في حالة ارتكاب أخطاء في التقارير الصحفية، وجب تصحيحها بسرعة وشفافية.