التحريض الديني وخطاب الكراهية

بواسطةأصيل ساريةApr 9, 2024 في موضوعات متخصصة
صورة

أنتجت شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة الموارد حول خطاب الكراهية بدعم من معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.

يظهر الخطاب الديني المتطرف والمبني على التحريض ورفض الرأي الآخر كمحاولة لتشويه مبادئ الدين واستغلاله من أجل السيطرة على آراء الناس وتوجيه سلوكهم. وبما أنّ للإعلام تأثيرًا على الرأي العام، يلجأ بعض المحرضين إلى نشر الفكر المتشدد وتأصيله في العقول عبر استخدام وسائل الاتصال الحديثة لنشر الرسائل الضارة والمحرّضة، لاسيما مع تطور الإعلام من المنابر والخطابة وإمكانية وصول الرسائل لجمهور أكبر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وبهذه الحالة، يتحوّل الدين الذي يحمل الرسائل الإيجابية التي تشجع على السلام والتعايش وقبول الآخر، إلى سلاح التطرف والقتل ومحاولة السيطرة على عقول الناس عبر رسائل التحريض والكراهية التي يتبناها القائمون عليه.

وبناءً على ما تقدّم، ظهر ما يسمى بـ"الإعلام المتطرف"، في مقابل مبادرات لمنع التطرف العنيف مثل محو الأمية الإعلامية والمعلوماتية، فقد اعترف تحالف الأمم المتحدة للحضارات بمحو الأمية الإعلامية كمجال تعليمي وثقافي يلزم معالجته، ولا سيما عندما يهدف إلى بناء جسور لتحسين التفاهم بين أفراد من خلفيات دينية وثقافية مختلفة وكفرصة لتطوير مبادرات بناء السلام، ومعالجة الاستقطاب الذي كثيرًا ما يثير مواجهات عنيفة قائمة على الهوية.

في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين، قال الدكتور رمضان حسن، عميد الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر إنّ "خطاب الكراهية الذي يوجه إلى طائفة معينة من الناس لاختلاف دينهم أو لونهم، يرفضه الدين المعتدل؛ فأساس التفاضل بين الناس هو العمل الصالح، والإسلام يدعو إلى نشر التسامح والعفو واللين والقيم الأخلاقية في كل المعاملات".

وأوضح الدكتور رمضان حسن أنّ المتطرفين هم من يتبنون خطاب الكراهية، وأنّ الدين يدعو إلى قبول الآخر بل أنّ أساسه قائم على خطاب يدعو إلى الوحدة والتسامح والاعتراف بالآخر واحترامه، وعلى وسائل الإعلام بكل أنواعها أن تسير على هذا النهج وتنشره وأن يكون خطابها بعيدًا عن التحريض ونشر الكراهية وبثها ونشر الحب والتسامح، حتى يعم الأمن والأمان والسلم والسلام في المجتمعات.

الخطاب الإعلامي واستغلال المتطرفين للإعلام

من جهته، يعرّف الدكتور محمد بن مصطفى، أستاذ الإعلام في جامعات قسطنطينة في الجزائر، الخطاب الديني الإعلامي بأنه "الخطاب المُرسل عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والذي يتجسد في الصحف والمجلات وفي الصحف والمجلات العامة وفي البرامج والحصص والأشرطة والتمثيليات والمسلسلات والأفلام وغيرها من وسائل الاتصال كالفضائيات والإذاعات والمواقع على شبكة الإنترنت"، ويلفت إلى أنّ "الإرهابيين استخدموا وسائل الإعلام وتقنيات التواصل الحديثة في ربط الشبكات الإرهابية، والتخطيط للعمليات العدوانية، وتغطيتها بتقنيات عالية في التصوير والإخراج للترويج لها وأصبحت الجهات الأمنية المختصة في ملاحقة الإرهابيين تجند خبراء متمرسين، لمتابعتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتحليل ما يصدرونه من مواد إعلامية للتحقق من مضامينها ودلالاتها".

وفي هذا السياق، كان فاعل تفجيرات بالي بإندونيسيا إمام سمودرا الذي تمت محاكمته قد أقرّ بأنّ الإنترنت يعدّ أفضل الوسائل لتحقيق هدفه، وأوصى جماعته بتعلمه ليس لتبادل المعلومات بينهم فحسب، وإنما لمخاطبة مَن من الممكن أن يتأثروا بهم ويتعاطفوا معهم.

ويؤيد ذلك الدكتور عادل عبدالصادق في دراسة نشرها في العام 2019 بعنوان "الإعلام الإلكتروني والتطرف الديني لدى الشباب بين المسؤولية والمواجهة"، التي أشارت إلى أنّ الإعلام يعد من الركائز الأساسية في فكر وممارسة الجماعات المتطرفة لانتشار خطابها المتطرف وعملياتها، وقد تطور الإعلام في فكر التنظيمات المتطرفة تبعًا للتغير الحاصل في التطبيقات التكنولوجية، والتي أثرت بدون شك في نمو واتساع تأثير ظاهرة التطرف والتشدد والارهاب مثل ذلك التأثير الذي كشفة التحول من جيل المنتديات إلى المواقع الالكترونية والمدونات وغرف الدردشة إلى الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية.

واكتسب الإعلام الالكتروني شعبية بين الشباب، لما يتميز به من خصائص ذاتية وقلة التكلفة واتساع المشاركة وسهولة الاستخدام، وهو ما يعزز من أن تكون المسؤولية تجاه مكافحة التطرف والتشدد تأخذ بعين الاعتبار التوازن والتكامل الوظيفي بين الإعلام التقليدي والجديد.

الصحفيون في مواجهة التطرف 

يستغل المتطرفون الإعلام لنشر أفكارهم مع وصول الإعلام الحديث إلى جميع الفئات المجتمعية والتي قد يتأثر بعضها بشكل مباشر وهنا تكون مهمة الصحفيين أكثر صعوبة ومسؤولية في المواجهة.

ولمواجهة ذلك، يقول الصحفي والباحث نشوان العثماني لشبكة الصحفيين الدوليين إنّ على الصحفيين الاستمرار في عملهم الذي لا يقتصر فقط على نقل معلومة، أو خبر، أو واقعة، أو حدث الصحفي، بل أن يلموا بجوانب ثقافية ومهارات تحليلية للأحداث وتأثيراتها.

وأضاف أنّ على الصحفيين إدراك خطورة المعارك العسكرية والثقافية والفنية والاقتصادية والاطلاع على الدين وعلاقته بالإعلام ورسالة كل منهما، لافتًا إلى أهمية أن تكون هناك مبادرات صحفية للاستفادة من تجارب العديد من الصحفيين الذين يعملون على مواجهة التطرف الديني والإعلامي.

وخلصت دراسة نشرتها مجلة الحكمة للدراسات الإعلامية والاتصالية بعنوان "دور الإعلام في الوقاية من التطرف"، إلى أنّ هناك دورًا إعلاميًا في مواجهة التطرف، يتمثل في دراسة ومناقشة وتحديد الظواهر المستحدثة منها ظاهرة التطرف وتفنيد مزاعمها والمقومات التي تقوم عليها مع توخي الدقة في عرض الحقيقة والبعد عن التهويل أو التهوين من التطرف. وأوضحت الدراسة أنّ المطلوب من الإعلام التركيز على الدور التنويري له في مواجهة التطرف والعمل على تعريفه وتشخيصه لتلك الظاهرة عبر استعراض آراء المشاركين في عملية المواجهة للتطرف من علماء دين وخبراء أمنيين ونفسيين واجتماعيين ومثقفين ومفكرين بهدف تحجيمه.

من جانبه، يقول مايكل فارس وهو صحفي متخصص في صحافة الحوار بين  أتباع الأديان والثقافات ومواجهة خطاب الكراهية ومؤلف كتاب "إعلام الكراهية آليات تغطية نزاعات الهوية" إنّ "العلاقة بين الدين والإعلام متشابكة ومتداخلة، وكل منهما يستغل الآخر لتحقيق أهدافه، فبعض وسائل الإعلام التي تسعى لإيصال رسالة معينة تستخدم الدين لتحقيق أهدافها، والدين الذي يرغب في التأثير على أفكار الآخرين يستغل الإعلام لتحقيق ذلك، فالإعلام في حد ذاته هو أحد أدوات الدين في كل العصور".

ويرى فارس أنّ الصحفي يجب أن يمتلك أدوات ومهارات عديدة في التعامل مع الخطاب الإعلامي منها:

أولًا، المهنية والموضوعية والدقة: الصحفي ليس طرفًا في أزمة داخل المجتمع، بل يجب أن يكون مصدرًا للسلام ويتمتع بالمسؤولية الاجتماعية الدينية تجاه القضايا المتعلقة بالأديان والمعتقدات عمومًا في مجتمعه، ومن المتعارف عليه إعلاميًا أنّ السياسة التحريرية للمؤسسة الإعلامية هي التي ترسم خطوط التعامل مع القضايا، والنسبة الأكبر هي "الإعلام الموجه"، ولكن على الصحفي أن يدرك دوره المجتمعي أيضًا، ويستطيع عن طريق امتلاك المهارات اللازمة عرض القضايا بشكل لا يؤجج النزاعات والخلافات داخل المجتمع.

وينشأ الإعلام المتطرف لأنّ القائمين عليه هم ضد الآخر المختلف دينيًا وعرقيًا وإثنيًا، ويلجأ في ذلك نشر معلومات مضللة أو خارج سياقها، سواء عبر إحصائيات خاطئة أو صور ليست مرتبطة بالحدث، وترسيخ صور نمطية خاطئة تجاه الجماعات المختلفة، مستخدمًا التأثيرات النفسية والعاطفية للتأثير على الآخرين وجذبهم لأفكاره.

ولمواجهة ذلك يقول فارس إنّه يجب على الصحفيين تفنيد تلك الحيل، لمواجهة أي معلومة مضللة عبر التحري والتقصي من الحقائق، من جهة، والتمتع بالمهنية في عرض الأحداث من جهة أخرى، فإن كان الخطاب المتطرف يسعى لتأجيج الفتن في المجتمع، فعلى الصحفي أن يسعى لخفضه وأن يكون طرفًا في قبول الآخر لا ضده وصوتًا للسلام.

ثانيًا، التعامل مع القضايا من منطلق "الصحافة الحساسة للنزاعات": إذ يجب على الصحفيين الاهتمام بآثار ما يتم نشره على المجتمع، فهنا لا نتحدث عن عرض القضية بموضوعية فحسب، بل تأثير طريقة العرض، والتركيز على أنّ الخطاب المتطرف سواء في تصريحات أو لقاءات تليفزيونية سيؤدي لتأجيج النزاعات داخل المجتمع هو أمر هام، فيمكن للصحفيين إعداد تقارير بديلة لدحض أفكار "الإعلام المتطرف" عبر إبراز أخطائه، فإن كان خطاب المتطرف يركز على تكفير الآخر، يمكن للصحفيين عمل تقارير تحض على السلام وتفنيد الأسانيد الخاطئة التي يلجأ لها الآخرون لتكفير الآخر.

ثالثًا، يشدد فارس على ضرورة أن يتعمّق الصحفي في دراسة وفهم "المصطلحات" ودلالتها، حتى يتمكن من ضبط اللغة التي يستخدمها في الحديث عن القضايا المتعلقة بالآخرين، من جهة ولمحاربة الإعلام المتطرف من جهة أخرى، فلا يستخدم التعميم المتسرع، أو الأوصاف السلبية أو التنميط في الحديث عن الآخرين، وحين يستخدمها "الإعلام المتطرف"، يستطيع أن يفندها ويرد عليها مهنيًا ويكشف الألاعيب المستخدمة.

الصورة الرئيسة منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي من خلال شات جي بي تي.